يطل علينا غدا عام هجري جديد ندعو الله أن يجعله عام أمن وسلامة وخير وإنجاز، وسيعمل كل منا - هكذا افترض - على رصد منجزاته وكذلك هفواته التي مر بها عبر السنة الماضية من أجل تعديل المسار واستشراف مستقبل أفضل وأجمل، وعلى صعيد المؤسسات أرجو أن يكون ذلك صحيحا ومطردا، والمشهد الثقافي هو أحد المكونات التنموية التي يجب تعهدها وتقويم مسارها، والعمل على ترقية مخرجاتها ودعم المنتسبين إليها. فهل كان مشهدنا الثقافي مرضيا ومنتجا إلى الدرجة التي تلامس عتبات الطموح ومشارف الأمل؟ الواقع ينبئ عن تراجع كبير يلمسه كل متابع، خاصة إذا أدركنا أن معيار حضور الفعل الثقافي وتغلغله في وعي المجتمع هو تلكم الممارسات الثقافية والإبداعية، وكذلك السلوك الجمعي العام بالاشتراك مع المؤسسات المعنية بالتعليم والتحصيل المعرفي، وإشكالية التراجع لا تعني السلبية المطلقة، فلقد حفل المشهد بالعديد من المنجزات سواء المنبرية أو الطباعية أو ما يعنى بالشباب تدريبا وتأهيلا وجذبا إلى رياض الثقافة وأفياء الإبداع، غير أن ذلك لم يكن بالحجم الذي يمكن مقارنته بما هو متوفر من مقدرات أستثني من ذلكم المسرح، حيث يواجه ما يشبه التخطيط المبرمج للقضاء عليه وتنحيته وتجفيف منابعه لولا جهود الراسخين المؤمنين بأهمية حضوره وتأثيره.
انصرمت سنة تنوء بالأحداث الجسام التي ما من عاقل ينكر تأثيرها على المثقف والمبدع في آن، إذ عجت بمتغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية طالت بلدانا عربية عديدة ولقد تواترت على صفحات التواصل الاجتماعي التقنية نفثات محقونة بالإحباط والانغلاق على الذات واجترار الذكريات القديمة والانغماس في الماضي بصورة تراجيدية قد تمثل عقبة في وجه التحليق في فضاءات رحبة طالما نشدها المثقفون وحلموا بها.
أقبل عام جديد محمل بالآمال والأماني والتوقعات الإيجابية في أن يصل المبدع إلى ما يصبو إليه وأن يحتضنه مجتمعه بالدعم والمؤازرة والتشجيع، كما يتوقع أن تقوم مؤسسة الثقافة بالدور المنوط بها تجاه المثقف من جهة وتجاه المجتمع من جهة أخرى، وأن يدرك الجميع حجم المسؤولية الملقاة على عواتقهم نحو وطنهم ومواطنيهم، تاركين مساحة متوازنة للاختلاف وتبادل الآراء في طقس حميمي بعيد عن الارتماء في براثن الأنانية والتطرف وحظوظ النفس، كل عام أنتم بخير مكللين بالأمن والطمأنينة ومتوجين بالتميز والإبداع.