هناك مشكلة مزمنة تتعلق ببطالة الخريجين وهي أننا نتجه إلى تصنيفات تضع هؤلاء في فئات نوعية تصبح كمية كلما أبطأت الحلول والمعالجات لدى الجهات المعنية: وزارات الخدمة المدنية والعمل والوزارات ذات الصلة المباشرة مثل التعليم والصحة. والسؤال الواضح في هذا السياق.. هل لدى أي من هذه الجهات خطط حقيقية لاستيعاب الخريجين؟ لا أقصد الإحصائيات الروتينية التي لن تقدم أو تؤخر في القضية، فماذا يعني إحصاء بأن لدينا 68% من خريجي الكليات الصحية دون وظائف؟ سيضاف إليهم نسبة 5% العام المقبل، و7% العام التالي، فيما تم توظيف 3% منهم هذا العام، ولا يوجد إحصاء بنسبة توظيف في العام التالي والتالي والتالي!
كلما تراكم العاطلون مقابل تزايد نسبة الخريجين استعصى الحل وتعقدت الأزمة، وقد تطرقت إلى قضايا الخريجين كثيرا، ربما لقربي منهم ولجوء بعضهم إلى شخصي الضعيف لطرح القضية إعلاميا، وآخر أولئك خريجو إدارة الخدمات الصحية والمستشفيات في جامعة الملك عبدالعزيز، الذين طرقوا كل الأبواب دون مخرجات تحسم توظيفهم من قبل جهات التوظيف كوزارتي الصحة والخدمة المدنية.
اليأس نهاية مؤلمة لحصاد سنوات من التعلم والتعليم العالي، وهو في الواقع نتاج طبيعي لعدم التخطيط لاستيعابهم في سوق العمل، ومن المفترض بوزارة الصحة أن تكون لديها خريطة وإحصائيات بخريجي تخصصاتها في جامعات الداخل والخارج، والوظائف التي يمكن أن تشغرها بهم سنويا، ولعلها أكثر وزارة تميل لاستيعاب الأجانب في المؤسسات الصحية بالقطاعين العام والخاص، فيما تهمل أبناء الوطن، وذلك يعني أحد أمرين إما أن مخرجاتنا الوطنية غير مؤهلة ولا تملك عقولا مثل الأجانب، أو أنها منحازة لأولئك الأجانب وتغرد خارج سرب السعودة ومعالجة مشكلة استراتيجية مثل البطالة.
أما مسألة التأهيل فهي مردودة بحكم تطور التعليم العالي لدينا، يضاف إليه أن خريجي جامعات الخارج يحصلون على الشهادات التي تؤهلهم للممارسة الطبية والصحية والعلاجية، وبذلك تنتفي الانحيازات غير المبررة للتعاقد مع الأجانب، فمن ضمن حيثيات مشكلة خريجي جامعة الملك عبدالعزيز حصولهم على بكالوريوس إدارة خدمات صحية ومستشفيات، وتصنيف من قبل هيئة التخصصات الصحية السعودية، وأعدادهم ليست كثيرة حاليا، إذ يصل عدد المتضررين إلى ألف طالب وطالبة، فيما تتعاقد الوزارة بأكثر من هذا العدد مع أجانب.
وإذا كانت هناك مشكلة تتعلق بتدريبهم فهي في الحقيقة ليست مشكلتهم بقدر ما هي مشكلة وزارة الصحة والجامعة التي تخرجوا منها، إذ يفترض أن تعتني بخريجيها وتجعلهم في تمام الجاهزية لسوق العمل والدخول في المنظومة الصحية بقدرات عالية. وهناك مشكلة أخرى تتعلق بهذا السوق وهي عدم إتاحته لتخصصات بعينها درسها هؤلاء الخريجون وتدربوا عليها ليصبح حالهم وكأنهم يسيرون في طريق مظلم بعلم الجامعة والوزارة لتبرير عدم قدرتهم أو أهليتهم أو حتى الحاجة إلى تخصصاتهم.
لا ينبغي أو يفترض أن يكون عدم وجود تخصصات أو وظائف هي مشكلة الخريجين بأي حال، وإنما هي مشكلة تلك الوزارة التي توصد أبوابها أمامهم وتجعلهم ينازعون مرارة الألم من دراسة لا تنتهي بهم في مسار وظيفي مستحق يجب توفيره، أو أن تكون الجامعات واضحة في مساراتها الأكاديمية بحيث تفتح التخصصات والكليات بمقتضى سوق العمل والحاجة الوطنية في التنمية، لأن ما يحدث ما هو إلا ممارسة خطأ بتضليل هؤلاء الطلاب وقضاء سنوات فيما لا طائل منه، وفي النهاية يحصدون اليأس والإحباط، ولذلك من الضروري الاعتراف بأنه تمت ممارسة خطأ في التخطيط لمستقبلهم ويجب ألا يدفعوا ثمن ذلك، وإنما الجهات المعنية وذات الصلة بإعادة النظر في وضعهم وتقديرهم بما يستحقون من تعب في الدراسة وشهادات حصلوا عليها بجهدهم، وليس منصفا أن ينتهي بهم الحال بشهادات ربما لا يجرؤون على تعليقها على جدران منازلهم، لأنها ببساطة ستذكرهم بأنهم عاطلون وما تعبوا من أجله أوصلهم إلى طريق مسدود بسبب خطأ غيرهم في حقهم.