دائما لديّ مشكلة مع التاريخ، وربما عليّ أن أقول في قراءة التاريخ وذلك باعتباره منهجا يستخدمه كل من: السياسي، والديني، والاجتماعي، في تحليل معطيات الحاضر، واستشراف احتمالات المستقبل، فقد اكتشفت من الصغر أن هذه المادة التي هي من صميم المناهج الدراسية حول العالم اتفقت على أن تختلف في كيفية النظر للأحداث وآليات تحليلها وإسقاطها على الحاضر، فزور البعض صفحاته، وفسر البعض الآخر ديناميكيته بشكل يخدم أجندته المسبقة من أجل تحقيق أهدافه الذاتية.
نعلم جميعا أن كثيرا مما يحدث اليوم من حروب ونزاعات دولية وإقليمية، تحوي في مسوغاتها جانبا يعتمد على تفسير كل طرف للتاريخ، فنجد الصراعات الطائفية التي احتدمت في المنطقة تعيد اجترار الماضي وأحداثه بشكل يمكن استخدامه ذريعة لاتخاذ ذلك الموقف أو ذاك، فتحرك مشاعر البسطاء وتدفعهم نحو الهاوية بذريعة إعادة أمجاد مسلوبة، وكثير منها ليس إلا تضليلا من صنع عقلية تآمرية تسعى للوصول للهيمنة على أكتاف وجماجم هؤلاء المساكين.
الفرق بين الأمم يكمن في مدى نظرتها للزمان، فالأمم التي تقدمت تضع المستقبل أمام أعينها مستعينة بنظرة موضوعية للتاريخ، بينما الأمم المتخلفة هي تلك التي ترى المستقبل باعتباره امتدادا لماض لم يبق من حقيقته إلا النذر اليسير، بعد أن غرق جله في تشوهات التسييس والرهبنة.
مثلا؛ نجد أن الصراع السني/ الشيعي الذي أصبح اليوم حقيقة بارزة على جميع المستويات، يستند في صميمه ـ كما يقول الكثير من دارسي التاريخ المحايدين ـ إلى الوقائع السياسية التي ولدت الانقسام الإسلامي حينها، ليستفحل ويتحول إلى صراع يبدو للمتابع المؤدلج صراعا دينيا، فقضية الأحقية في الخلافة كانت ولا يمكن النظر إليها إلا باعتبارها شأنا يتعلق بالسياسة وأحقية الحكم، فكيف تحول ذلك إلى صراع عقائدي (لا بد لك هنا أن تسأل التاريخ).
وإن كان كل طرف يقرأ التاريخ، يستخدمه لإثبات موقفه، فإن التاريخ هنا لا بد أن يكون مكتوبا بشكل يؤيد رأي هذا الطرف أو ذاك، وبالتالي فإن الحلقة المفرغة هي المكان الوحيد الذي سنجد أنفسنا ندور حوله، فلا هذا أقنع بتاريخه، ولا الآخر اقتنع بتاريخه.
فائدة التاريخ الوحيدة هي أن نستفيد من أحداثه لكي لا نكرر الأخطاء، فإن فسرناه وفق الهوى، فكأننا قد أتلفنا دليلنا الوحيد في رحلة بحثنا عن مستقبل أفضل!