بينما كنت أنتظر إقامة الصلاة بالحرم النبوي الشريف مع والدتي بشهر رمضان المنصرم، إذا بسيدة تقترب مني وتطلب أن أوسع لها مكانا لتصلي بجانبنا؛ وأردفت طلبها بكلمة يا حاجة. وبعد أن أخذت السيدة مكانها بمحاذاتنا؛ أدركت بعد برهة -من خلال حديثي مع والدتي- أن لهجتي سعودية، فما كان منها إلا تقديم فروض الاعتذار وطلب السماح إن نادتني بالحاجة! وما زالت السيدة تعتذر حتى بعد أن أكدت لها أن مناداتها لي بالحاجة لم تزعجني على الإطلاق، فشرف لي أن أنادى بالحاجة. قالت السيدة: آسفة ولكنني ظننتك:......؛ وذكرت إحدى الجنسيات العربية، فابتسمت وأجبتها قائلة: وما المشكلة أن أكون من الجنسية التي ذكرت؟! فالمسلمون عربا كانوا أو عجما سواسية ولا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى. وعندما التقت عيناي بعينيها ونحن خروج من الحرم أكدت للمرة الأخيرة اعتذارها الذي لم أجد له مبررا على الإطلاق! وإن كان موقفها واعتذارها المتكرر لفت نظري للنظرة الفوقية العنصرية المتأصلة -عند شريحة منا-؛ تنظر من عل لغيرها من الجنسيات! فالمقيم أجنبي حتى لو بلغت إقامته بين ظهرانينا عتيا ومهما أظهر من ولاء أو حب للبلد وأهله؛ وذاك رفيق والآخر صديق والثالث خال! ناهيك عن التسميات والألقاب التبخيسية التي يلمز بها -بعضنا- إخوانا من جنسيات عربية أخرى!

سيدة أخرى كانت تسبقني في دور المحاسبة بإحدى محلات التسوق، وبينما كان يمر أحد العمال المقيمين من جنسية آسيوية بقربها، دفع المسكين عربتها دون أن ينتبه.. فما كان منها إلا أن شتمته بأقذع أنواع الشتائم وعيرته بجنسيته، وابتلع- طبعا- العامل إهانتها له وامتهانها لكرامته؛ فالزبون دائما على حق ولن يجرؤ عامل فقير يسعى لرزقه رفع عينيه ليستنكر الإهانة أو يرفضها! لذا لا أتعجب أن يحمل بعض المقيمين مشاعر سيئة في نفوسهم علينا، فهي نتيجة لاستعلاء –بعضنا- ومعاملته التعسفية لهم. وقبل أن أتهم بالتعميم كما اتهم الزميل الإنساني القدير (عبدالله المغلوث) ذات مقال، عندما كتب عن (أخلاق) لاحظها واستهجنها من –بعض- السعوديين! أؤكد أن المجتمع السعودي مجتمع بشري فيه الصالح والطالح، وحسن الطباع وسيئها؛ ولكن الصور السلبية تنطبع وتترك أثرا لا يمحى حتى لو طغت الصور الإيجابية، فكيف إذا كان العكس صحيحا؟!

والشوفونية داء يصيب – بعض- الناس في مجتمعنا فيعتقدون أنهم شعب الله المختار، لا يضاهيهم أحد ولا يبزهم غيرهم من البشر! فيجردون غيرهم من المناقب والصفات الحميدة، ويسبغون على الذات كافة الفضائل والخصال الحسنة، ليهبط الآخر -العربي أو المسلم - إلى أسفل سافلين ملصقين به جميع المثالب والنقائص! بل يكاد - بعضهم -يجزم أن التمسك بالدين والالتزام بشريعة الله حكر عليهم وحدهم، ولا يمكن تحقيقه أو رؤيته عند غيرهم من الناس! بينما يقول الله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم).