من القضايا الجوهرية في موضوع حقوق الأطفال هي كيفية النظر للطفولة كمرحلة من مراحل العمر. فهمنا للطفولة يؤثر بشكل مباشر على نظرنا للأطفال وحقوقهم. الطفولة تفهم بأشكال مختلفة، منها النظرة المقارنة والنظرة الجوهرية الذاتية. النظرة الأولى تفهم الطفولة من خلال مقارنتها بمراحل أخرى من العمر. النظرة الثانية تفهم الطفولة كما هي دون ربطها بمراحل سابقة أو لاحقة. النظرة الأولى يعبّر عنها الناس كثيرا بمطالبتهم الأطفال الذكور أن يكونوا رجالا ومطالبتهم الأطفال الإناث بأن يكونوا نساء. "كن رجلا" و"كوني امرأة" عبارتان سمعهما أغلب أطفال العالم. في هذه المقالة سأحاول التفكير في التصورات المتعلقة بحقوق الأطفال والتي يمكن أن تنتج من التصورات السابقة.

النظرة المقارنة للطفولة غالبا ما تراها مرحلة انتقالية لمرحلة الرشد المقبلة. بمعنى أن تكون مرحلة الطفولة هي مرحلة إعداد وتجهيز للمرحلة الأهم القادمة. هذا التحويل للطفولة إلى مرحلة انتقالية يحمل معه النظر إليها بعين مختلفة. مراحل الإعداد والتجهيز غالبا ما يتم التجاوز فيها عن كثير من القضايا المهمة من أجل الأهداف المستقبلية. في العسكرية مثلا دورات الإعداد ينظر إليها على أنها مرحلة من المتوقع فيها أن يمرّ المتدرب بضغوطات وتجاوزات لحقوقه يتم التساهل معها باعتبار أنها تتم في مرحلة انتقالية. كذلك البلدان التي تمر بمراحل انتقالية تحدث فيها أمور يتم تمريرها تحت هذا العنوان ولا يمكن ان تمرّ بسهولة في ظروف أخرى مختلفة. الطفولة في هذا المنظور وسيلة لغاية أخرى. بمعنى أن الطفولة هي وسيلة يمر من خلالها الإنسان إلى الغاية الأهم وهي سن البلوغ والرشد. الطفولة تأخذ قيمتها هنا من خلال تحقيقها لهذا الهدف. إذا انطلقنا من هذا المنظور فإن الرؤية لحقوق الأطفال ستسعى لتحقيق هذا الهدف أيضا. بمعنى أن الأطفال سيستحقون ما يجعلهم رجالا ونساء في المستقبل وسينظر لما يخالف ذلك أو ما لا يدعم ذلك الهدف بمنظور أقل. كذلك هذا المنظور يعطي "خبراء الرشد" البالغين طبعا حق تقرير حقوق الأطفال بناء على أن الطفولة في جوهرها مرحلة باتجاه الرشد. هذه النظرة تعاني من مشاكل كثيرة. أولى هذه المشاكل هي تحويل حياة الأطفال إلى وسيلة يتم من خلالها تحقيق غاية أخرى. هذا السلوك له تأثير نفسي وتربوي مفسد للنمو ولكنه أيضا له تأثير حقوقي جوهري وهو معاملة الأطفال كوسائل لحياة مستقبلية لا نعلم تحديدا كيف ستكون. الطفل هنا يفقد حق تقرير مصيره بنفسه. التبريرات لنزع هذا الحق هنا تعتمد أساسا على قصور تجربة وخبرة الطفل في الحياة مما يجعله غير قادر على تقرير القضايا الجوهرية في حياته. النظرة المقارنة تزيد على هذا المبرر المعقول أن الطفولة ليست إلا طريقا للرشد، وبالتالي يفترض أن نعاملها بهذا المنظور. هنا عملية مزدوجة: الطفل يفقد حق تقرير حياته وطفولته يتم توجيهها لتحقيق أهداف مستقبلية.

في المقابل، ترى النظرية الجوهرية أن الطفولة بحد ذاتها مرحلة أساسية من عمر الطفل وتأخذ قيمتها الأساسية من ذاتها. الطفل في هذا العمر يفترض أن يعيش مع من يتلاءم مع مرحلته العمرية ولا يحق لنا التفريط في ذلك لصالح أهداف مستقبلية. الرشد أو البلوغ مرحلة ستأتي في وقتها وليس من المطلوب دفع الأطفال بقوة لا تتجاوب مع طبيعتهم ونموّهم الذهني والنفسي باتجاه مرحلة لا يعرفونها بعد. بحسب هذه النظرة فإن حقوق الأطفال يفترض أن تستجيب أولا لاحتياجاتهم كأطفال وليس لاحتياجاتهم كرجال المستقبل. الفرق هنا مهم وهو أن الاحتياجات ينظر إليها حسب متطلبات حياة الطفل داخل هذه المرحلة العمرية بدون أن تكون هنا تضحية بهذه المتطلبات من أجل فترة عمرية مستقبلية. أصحاب النظرة الثانية يطالبون بعدم القلق على سن الرشد. الطفل الذي عاش طفولته كطفل قادر على عيش بلوغه كبالغ. في المقابل يشكك هؤلاء في قدرة الطفل الذي عاش طفولته كرجل أن يعيش رجولته كرجل أيضا. هناك عامل مفقود في تجربة هذا الإنسان يجعل من تمتعه بحياة متوازنة أقل احتمالا. حقوقيا، الطفل له الحق فيما يكفل له توفير ضروريات طفولته. بمعنى أنه وإن كان الطفل لا يعطى حق الكلمة النهائية في تقرير قضاياه الأساسية إلا أن من يتولى هذا الأمر محكوم بأن يبني قراراته بناء على ما تتطلبه الطفولة كمرحلة عمرية.

اللعب مثالا، يمكن أن يساعدنا على أن نفهم الفرق بين الأطروحتين بشكل أكبر. بحسب النظرة الأولى فإن اللعب يمكن التضحية به من أجل تحقيق أهداف مرحلة الرشد. بمعنى أنه إذا كان اللعب يتعارض مع تعريف "الرجل" أو "المرأة" فإنه يتراجع في سلّم الأولويات وقد يخرج منها بالكامل. في المقابل فإن هذا المبرر غير مقبول لدى وجهة النظر التي ترى أن الطفولة مرحلة تأخذ قيمتها من ذاتها قبل أي شيء آخر. اللعب هنا يكون استحقاقا أساسيا وضروريا ولا يمكن التضحية به. الأطفال من حقهم اللعب حتى لو كان هذا اللعب لا يتوافق مع الشخصية المستقبلية التي يترقبها البعض. من المهم هنا أيضا ملاحظة أن اللعب هنا حق وليس مجرد ترفيه يتم منحه للأطفال في وقت الفراغ.

النقاش السابق مهم لفهم وتحليل كيف يتم النظر إلى الطفولة؟ وكيف يؤثر ذلك على حقوق الأطفال؟ في أحيان كثيرة تطغى نظرتنا المستقبلية لما يجب أن يكون عليه الأطفال، وننسى ما هم عليه الآن، فينتج عن هذا عسف عنيف وقاس لنمو الطفل الطبيعي الذي يتدرج حسب عمره الزمني وتراكم خبراته. الطفل/ الرجل يعيش تجربة منفصلة عن حياته المباشرة. الرجولة هنا هي تجارب لآخرين تم حقنها في تجاربهم بطريقة تفسد التطور الطبيعي لتجاربهم الخاصة في الحياة. نردد أحيانا مقولة "من تعجّل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه".. ربما تفيدنا هنا.