أخي عبدالعزيز: كثيرون يغيبون عن الذاكرة.. يبعثرهم الزحام ويأخذهم الغياب.. دون أن نفتش عنهم.. وحدك في تلك المدينة الخليجية الصاخبة حينما تتأخر عن موعدك ينتابني القلق.. أحببناك كأنما أحببنا أرواحنا.. فتحت لي ذراعيك وبيتك وقلبك.. أحببتك وأنا الذي لا أميل إلى التعلق بالغرباء، لأنهم يرحلون سريعا على حين غرة.. ولا يتركون خلفهم أثرا، لكنك كسرت القاعدة وجبرت غربتي ووحشتي.. فسكنت الوجدان قلبا حانيا، وجيوب الذاكرة فذا وفيا..
أخي عبدالعزيز: كان غيابك الأخير مقلقا لي.. اتصلت بك.. بحثت عن صوتك.. كنت أرجوك أن ترد.. أود أن أسمع ردك العذب "هلا بالحبيب الغالي".. بحثت عنك.. ناديت عليك.. طرقت أبوبا كثيرة.. فتشت عنك في كل الأماكن وعند كل الأصدقاء.. لا شيء سوى الصدى والسراب.. فالأبواب موصدة..
هذا الصباح أكتب لك مضطرا من خلف الأسوار.. قررت أن أغالب دموعي لكنها سقطت، بعدما علمت بإصابتك بالسرطان.. نزل الخبر على رأسي كالصاعقة؛ تسمّرت مكاني.. صمت مؤلم.. اللهم لا اعتراض..
وكأن هذا المرض القاتل يختار خصومه بعناية.. فلا أحد يستحق شرف منازلته.. وهذه المرة اختارك أنت.. اختار منازلتك في أشد معارك حياتك، وأكثرها شراسة.. لكنك حتما ستنتصر يا عبدالعزيز.. ستنتصر كما انتصرت في معارك كثيرة.. فلست أنت من يضعف، أو يستسلم، أو يرضخ لمهانة المرض.
انزل للميدان شامخا، ولن نتركك وحدك.. وستنتصر.. أو لست أنت من علمنا أن إرادة الإنسان تقهر المستحيل..
ستنتصر يا عبدالعزيز، فكل الذين انتصروا في معاركهم ضد هذا المرض إنما انتصروا عليه بالتفاؤل.. انتصروا عليه بحسن الظن بالله القائل "أَمَّن يُجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء".. وها نحن ندعوه ونتضرع إليه أن يكشف السوء، ويعيد ابتسامتك إلينا.. وستشفى يا عبدالعزيز -بإذنه- وستعود كما كنت جبلا شامخا.. وسنحتفل سويا بالنصر هناك.. في ذات المكان الذي التقينا فيه أول مرة.. فمن لنا غيرك في هذه المدينة؛ إن رحلت وتركتنا.