قبل حكم القتل تعزيرا الذي صدر الأربعاء الماضي، ثمة حكم أولي صدر قبل أسابيع يقضي بسجن نمر باقر النمر ستة عشر عاما فقط، وكان الحكم مثار استغراب كبير لدى المتابعين، فالرجل ألّب بشكل علني على الدولة، ودعا إلى الخروج على ولي الأمر، بل واجتمع مع مطلوبين إرهابيين وخلع البيعة، وحتى أثناء محاكمته اعترف بذلك ولم ينكر تلك التهم، بل لم يعترف بالمحكمة أصلا، في مقابل هذا الحكم؛ كانت هناك أحكام وصلت إلى الثلاثين عاما تجاه بعض الناشطين الذين لم يصلوا أبدا لربع ما اقترفه النمر أو قال به.
بيد أن الحكم الذي أصدرته المحكمة الجزئية المتخصصة بالرياض بحق النمر كان متوقعا، ولقي صدى واسعا في الأوساط السياسية، وصل إلى حدّ أن إيران عبر رجالاتها وبعض قادتها نددوا بالحكم في تدخل علني سافر في الشؤون الداخلية، وتبعها ربيبها "حزب الله" بالتنديد وإصدار بيان، بل وصل الأمر ببعض الصفويين إلى التهديد العلني لدولتنا إن تمّ تنفيذ الحكم، دعك من الجهة الجنوبية لبلادنا والتي طالعنا فيها بعض الحوثيين ينددون حول سفارتنا بصنعاء، وهم يرفعون صور الرجل ولافتات الاحتجاج، ورصدت صحيفة "مكة" قبل أيام "مانشيتات" الصحافة الغربية التي دخلت بنفاق فاقع الزفة، تجاه رجل أدين من قبل محكمة شرعية، في جرائم عظمى يعترف بها ولا ينكرها.
للأسف الشديد انشغلت الصحافة وكثير من كتابنا وشرعيينا ونخبنا بمسألة الاكتتاب في البنك الأهلي، وطغى ذلك الاكتتاب تماما على ردود الأفعال الدولية، فضلا عن المحلية في منطقة العوامية والقطيف حول الحكم، وغفلنا عما قام به متطرفو الشيعة وخططوا له، بدأت ببعض التظاهرات والهجوم على دورية أمن في العوامية بعد يومين من الحكم، ولا نزال كمجتمع نعيش صدى الحكم، ونسمع الأبواق التي تنفخ ليل نهار هناك في ضفتنا الشرقية، لتأليب العامة للاستنكار والخروج.
هناك دور مفقود - نوهت عنه في مقالات سابقة - لإعلامنا ومثقفينا حيال متطرفي الشيعة، فالإعلام قام بدور وطني مهم في تنوير المجتمع بخطر أفعال وفكر "القاعدة" وأذنابها بالأمس، واليوم "داعش" وشبابها، ولكن كتابنا ووسائل إعلامنا أغفلوا للأسف التطرق إلى منظمات الشيعة الإرهابية في بلادنا، والفكر المتطرف الذي تقوم عليه، والأهداف التي يريدون الوصول إليها، ونحن اليوم آكد من أي وقت آخر لنعرف عنهم، ونقوم بتوعية المجتمع من خطرهم، سيما وقد أحاطوا بحدودنا من الشمال والجنوب، بل أزعم أنهم أشد خطرا وحقدا على وطننا، أكثر بكثير من المنظمات الإرهابية السالفة، وما فعلته المنظمات الشيعية في العراق بإخوتنا هناك درس ماثل يجب أن نعيه.
لا تعرف العامة وكثير من شرائح المجتمع أن هناك تنظيما شيعيا متطرفا في السعودية اسمه "حزب الله الحجاز" تدعمه إيران و"حزب الله" اللبناني من منطلق طائفي بغيض، وهؤلاء يريدون الانفصال وتقسيم المملكة، ومن يريد أن يعرف عن الحزب، يدخل إلى "الوكيبيديا" ليطلع على نشأته وأهدافه وتأريخه، وهناك دراسة عن "حزب الله السعودي"، أعدها "معهد الشرق الأوسط"، ومقره العاصمة الأميركية واشنطن، في ربيع عام 2010م، وتحمل عنوان (حزب الله الحجاز.. تاريخ أكثر الجماعات الشيعية السعودية المعارضة تطرفاً).
كلنا يتذكر انفجار أبراج الخبر في 1996، حيث انفجر خزان كبير مملوء بأطنان من مادة (تي إن تي) بجوار مركز سكني كان فيه عسكريون أميركيون حيث قتل 19 أميركياً وأصيب مئات، وكان من تدبير هذا الحزب المتطرف، وهناك حادثة نفق "المعيصم" في عام 1989،التي نفذها "حزب الله الكويت" بالتعاون معه، ولدى "حزب الله الحجاز" تاريخ إرهابي في الثمانينات بمحاولات اغتيال دبلوماسيين سعوديين في الخارج، ومحاولات تفجير آبار النفط السعودية لمرات عديدة نجحوا في بعضها، ولكن هي عين الله التي تحفظ هذه البلاد، ثم يقظة رجال أمننا البواسل الذين كانوا لهم بالمرصاد، وسيكونون بإذن الله وقوته بالمرصاد لهم في كل وقت.
ما لا يعرفه الكثيرون أن في مقابل الشباب السعوديين الذين يلتحقون بـ"داعش"، هناك شباب سعوديون من المتطرفين الشيعة يلتحقون بـ"حزب الله، وتلقى المئات منهم تدريبات في الضاحية الجنوبية في بيروت عبر سنوات طويلة، ويحارب بعضهم مع الحزب في سورية، وقد قتل منهم العشرات، أقيمت لهم الحسينيات والمآتم في الضفة الشرقية من بلادنا، وأسأل: أين إعلامنا عن هؤلاء؟ وأين هي الاستطلاعات الصحفية والتقارير الإعلامية عن هؤلاء الشباب، بمثل ما فعلنا مع شباب "القاعدة"؟..
إن تحدث أحد من النخب أو الكتّاب ونوه عن ذلك، تصدى له العديدون وكالوا له التهم الجاهزة، في الوقت الذي ينتقد ويهاجم كتاب ومثقفو طائفة الشيعة كل الفكر المتطرف السني، ولم يقصروا بالتنديد بشباب "القاعدة"، ولست بالمدافع عن المتطرفين هؤلاء، بقدر ما أطالب إخوتنا في الوطن أن يترجموا هذه المشاعر الوطنية الخلاقة إلى أفعال، ويبادروا إلى نقد شيوخ التعصب ودعاة الانفصال والتحريض في طائفتهم، أين أصواتهم عندما كان نمر النمر في منبره يطالب بخلع البيعة والانفصال والتقسيم، والدولة صامتة عنه وهي العليمة بكل ما يتفوه؟ أين هم من بقية الدعاة الذين يعرفونهم حق المعرفة ليطالبوهم بالتصحيح ويفككوا خطابهم المتطرف؟. كتبت هذه المطالبة بالوقفة الوطنية الحقيقية والجادة للنخب الشيعية قبل أشهر؛ وانهالت عليّ تهم التحريض وشرخ الوحدة الوطنية، والاحتجاج على أسلوب المواجهة والتصارح من أولئك النخب!
عندما صدر الحكم على القاعدي فارس بن شويل الزهراني منظّر "القاعدة" بالإعدام، رحبّ به كل محبّ للوطن ووحدته، ولم يعترض عليه أحد، بيد أن الأمر هنا مع النمر اختلف، وتبدى نفاق الإعلام الغربي، والسكوت المطبق المريب من قبل نخب شيعية عديدة، والقادم –يا سادة- سيكون أكثر صعوبة وتعقيدا، وعندما نطالب أحبتنا هؤلاء بالوقوف صفا واحدا ضد دعاة الانفصال والتقسيم، إنما هي لحماية لحمتنا الوطنية، فأصواتهم أقوى وأكثر أثرا من أصواتنا، فهم من داخل النسيج الاجتماعي، وإن لم يتحركوا الآن فليت شعري متى!؟
آن الأوان لأن يقوم الاعلام بدوره في كشف التنظيمات الشيعية المتطرفة، ومطالبة المجتمع للنخب والقيادات الشيعية بأدوارها الوطنية.