قال الإمام مالك بن أنس: "كل يؤخذ من كلامه ويترك إلا صاحب هذا القبر". يقصد رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

لكن يبدو لنا مع تراكم الجهل أن القداسة التي ضربت المسيحيين في مقتل خلال عصور جهلهم والتي جعلت من البابا المقدس المنزه، المفروز والمكرس لله، قد انتقلت إلينا، ولكن بشكل عشوائي ولافت عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت الوسيلة الإعلامية الأولى.

أقول إن هذه القداسة البالية قد زحفت واستقرت لدينا نحن المسلمون، فأصبح نقد مشايخ "التويتر" ضربا من الخروج على الدين، ولا بأس إن سمعنا أن لحوم أولئك مسمومة.. فليس لأحد أن ينقد أو يتحدث عمن ثبت خطؤه منهم. مأساتنا أصبحت تحاصرنا محليا بعد أن صدمتنا وآلمتنا خارجيا، حينما تبين للعرب أن من كنا نعتقد أنهم علماء المسلمين وقادة فكرها قد كشفوا عن أجندات سياسية مقيتة بغيضة. فلم يكن رئيس هيئة علماء المسلمين وزميله مرشد حزب النهضة وقرينهم الرئيس المخلوع إلا أصحاب وجوه كانت تغطيها اللحى المهذبة بتأنق تخفي أجندات سياسية هدفها السيطرة والانفراد بالسلطة وهو ما تحقق لبعضهم. لتأتي صدمتنا من الأجندات الفكرية والمالية التي بتنا نراها فيمن هم قريبون منا.

لن نطيل في ذلك فهو مفهوم للعامة كما الخاصة وإن رفضه بعض منهم.. لكن لم يمدنا التاريخ بمعلومات عن شيخ وقور من أصحاب علوم الدين أجلّه معاصروه، وأعظم قدره مؤرخوه بات من أصحاب الملايين والدعوة الاستفزازية في كل مناسبة، إلا أنهم في عصرنا الجاري باتوا يتطاولون بالبنيان ويملكون أعلى الأرصدة، وما ينقصهم سوى الظهور والشهرة التي لم يحققها لهم أي شأن كما فعلت البرامج التلفزيونية ووسائل التواصل.

من فرط العبث، أصبحنا نتساءل: أين عقول المندفعين خلفهم، وهل عجزوا عن فهم الواقع وما كان عليه أصحابهم من قبل ومن بعد؟ أليس من بينهم حصيف يدرك ما كانوا يتسابقون على تحريمه عقودا طويلة.. وأصبحوا يحثون الخطى لأجل الظفر به حاليا؟ ألم يفطنوا إلى تسابقهم على الظهور والبحث عن الشهرة والتأثير، أكثر من وقوفهم أمام تلاميذهم وكل من احتاجهم فيما هم يتقنونه من علوم دينية؟ هل تغير العالم أم نحن تغيرنا، أم أننا أصبحنا بعيدين كل البعد عن القدرة على التفريق بين ما هو غث وما هو سمين.. ألم يقرؤوا قول العالم الجليل الذي اتفقت عليه الأمة أحمد بن حنبل: "لا تأخذوا العلم ممن يتاجر به"، وأي تجارة طلب شهرة والاستماتة لأجلها غير قصور وعقارات وهلم جرا؟!

نحن نحتاج من ينفعنا الله بعلمهم ولو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لكن ورغم إدراكنا أن هناك من استغل وضعه، ووجب نقده، أو حتى التحذير منه، إلا أنه لم يتسن ذلك، لأن هناك من ألبسهم ثوب القداسة، فالنقد لهم مخل بالإيمان حتى لو ثبت عليه الدعوة إلى الإرهاب أو السرقة أو التغاضي عن المحرمات والخروج على الجماعة. وكأنه كتب علينا أن نلقي برؤوسنا على أعلى صدورنا خنوعا واستسلاما.