احتجاج بعض أهل القطيف على الحكم الصادر بحق نمر باقر النمر مجرد حالة عنصرية مذهبية، ولو لم يكن ذلك كذلك لكان حقيقا عليهم أن يحتجوا على أحكام مماثلة صدرت بحق بعض المواطنين من متطرفي السنة، ممن خلعوا يداً من بيعةٍ، وممن لا يعترفون بشرعية ولاة أمر هذه البلاد، وممن شتموا كبار العلماء ولم يروا لهم قيمة وسموهم علماء السلاطين، والحال كذلك مع نمر النمر الذي لا يرى في عنقه بيعة إلا لولي الفقيه ولا يرى شرعية للحكومة، ويرى أن القطيف جديرة بالاستقلال ويدعو إلى الخروج على ولي الأمر والعصيان وما سوى ذلك من إثارة للفتنة والطائفية والانشقاقات وما فوق ذلك من تحريض وتعريض، ومع ذلك لم نر أو نسمع أي احتشاد سني للدفاع أو الاعتراض على أحكام الإعدام التي صدرت بحق بعض غلاتهم، رغم أن هؤلاء المواطنين لم يروا ولم يسمعوا يقينا ما كان سبباً أو دافعاً لصدور هذه الأحكام، لكنهم اتكلوا في القبول والرضوخ على إيمانهم باستقلال القضاء، أما في حالة نمر النمر فقد سمعناه ورأيناه من خلال خطبه التي بثت برغبة منه على الإنترنت، ولمسنا تطابق الادعاء مع كلام النمر الذي صادق هو عليه في المحكمة وأقر بقوله ولم يتراجع عنه.

وإذا كنا لا نستغرب الهبة الإنسانية والفورة العاطفية من القنوات والصحف والوسائط التابعة لإيران في طهران وبغداد وبيروت وصنعاء أو تلك المُسّيرة المأمورة في لندن فإننا نستكثر ونستغرب أن يصدر ما يماثله هنا من بعض أبناء الوطن ومن بعض إخواننا في القطيف رغم إدراكهم على وجه اليقين أن الوطن قد استوعب كل التباينات القبلية والمذهبية وأبقى الاختلافات المذهبية في حدود منابر العبادة.

وقضية نمر باقر النمر وما تثيره من لجلجة وغبار عبر الإعلام الفارسي الذي يصدح مأجوراً في صحف بيروتية أو في قنوات تمثل الرأي الإيراني مثل قناة العالم أو الميادين أو المسيرة؛ تعيدني للكلام مرة ومرات للحديث عن اختباء الدور الإعلامي السعودي الذي ينزوي في الظل "غالبا"، وإذا كان ذلك مقبولاً في الأحوال العامة فإنه مرفوض في مثل هذه الحالات الاستثنائية التي تزداد فيها الأعمال البغيضة الموجهة سهامها لنحر هذا الوطن وإحداث التشققات في جداره السميك وصولاً إلى إشاعة الفوضى وزرع الطائفية.

وكان حرياً بوزارة الثقافة والإعلام أن تجند مع مثل هذه الحالات حملة علاقات عامة لتوضيح موقف المملكة للإعلام الغربي، وكذلك لمنظمة "الغفو" الدولية التي تغفو كثيرا ثم تصحو لترى بعين مليئة بالقذى على نحو مشوش وبرؤية متعكرة.

أخشى أن لسان إيران الطويل -والذي يمارس الصراخ عبر قنوات مباشرة وغير مباشرة وعبر مؤيدين لها عقديا وأيضا عبر مؤيدين لها بالمال وشراء الذمم- أخشى أن يؤثر ويسهم في تشويه صورة المملكة لدى أولئك الذين نقصر تجاه جهلهم بنا، وذلك بسبب بعدنا عنهم أو بسبب قرب إيران منهم. أجزم بأن المملكة مستهدفة من أرتال من البغيضين لكن بيدنا أن نغير رأيهم عندما نُعَرِّفهم بنا، وهذا يعيدنا مرة أخرى إلى المربع الأول في قضية التعاطي مع إعلامنا الذي يسترخي ويتثاءب وينام على وسادة الاستقرار، ثم يتفاجأ ويرتبك عندما تدهمه مثل هذه الحالات الطارئة، لكنها مع كونها طارئة وعابرة إلا أنه يُخشى منها أن تورث دمامل وأن تخلف تقيحات داخل نفوس أبناء هذا الوطن على نحو تقوم معه الحواجز النفسية التي تقتات على الريبة والتوجس والشك ثم الانقسام والانعزال وصولاً إلى تكرس الطائفية.. وهذا هو ما يسعى إليه المغرضون الذين يستهدفون استقرار ورخاء وأمن هذا الوطن.