لا يستطيع أي فرد إنكار الجهود الكبيرة التي تقوم بها الدولة لتطوير التعليم، الكثير من الجهود والمال تم صرفها لخدمة قضية التعليم التي كانت ولا تزال من أولويات الدولة. لكن لو فكرنا في هذا الخصوص على افتراض أن المدخلات الجيدة ستؤدي إلى مخرجات جيدة input-output analysis لوجدنا كما هائلا من المدخلات وتواضع في المخرجات.
يستطيع البعض المجادلة والقول إن المدخلات أصلا متواضعة وضعيفة، لكن بالتأكيد مع ضخامة حجم الاستثمار والجهد ستوجد بعض المدخلات القوية والصحيحة، لكنها لسبب ما تضيع أثناء المعالجة Processing ولا تصل بالشكل اللائق للطلاب.
تشتمل هذه المدخلات على العديد من المبادرات خلال السنوات العشر الماضية مثل تطوير المناهج، تأسيس كم هائل من المدارس، الخوض في مجال التربية الخاصة، إعادة تدريب المعلمين، تأسيس مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم العام بميزانية تبلغ 9 مليارات ريال، ومن ثم إنشاء مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع. هذا بالإضافة إلى العديد من المشاريع التي قامت بها الوزارة من خلال وكالة التخطيط والتطوير. دعونا لا نقسو في نقدنا على التعليم، الجهود المبذولة كبيرة بالفعل والرغبة الصادقة في تطوير التعليم واضحة ولا يمكن التغاضي عنها. لكن الغريب أننا بالرغم من كل هذه الجهود ما زلنا لا نشعر بالرضا عن نظام مدارسنا، ويمكننا القول إنه لو صبت هذه الجهود في مسارها الصحيح منذ تأسيس الوزارة، لكنا اليوم ننعم بثمرات تعليم أفضل، أو على الأقل بدأنا نلمس بعض نتائج التطوير.
في دراسة سابقة قامت بها "ماكنزي" منذ حوالي سبع سنوات، وبعد تحليل 25 نظاما تعليميا متميزا حول العالم، توصلت إلى معرفة أهم ثلاثة عوامل لإصلاح التعليم، والتي هي: أولا، اجتذاب الكفاءات الصحيحة، ثانيا، تدريب القوى العاملة وتنمية القدرات، ثالثا، تصميم أنظمة التعليم بحيث تساهم في خدمة احتياجات كل طالب بشكل سهل.
عندما ننظر في مشاريع تطوير التعليم من منظور هذه الدراسة، نلاحظ نقصا كبيرا في هذه العوامل الثلاثة وخصوصا العاملين الأول والثاني. فعلى سبيل المثال، مشاريع الدولة العملاقة لتطوير التعليم والخطط التي يتم وضعها تعتمد بشكل كبير وواضح على وجود مؤهلات عالية وقدرات وطنية متميزة تستطيع تشغيل وتفعيل هذه المشاريع. وما يحدث على أرض الواقع مغاير لذلك بعض الشيء. هذه الجهود عندما تطبق يتم الاعتماد في تنفيذها على نفس الكفاءات القديمة، وحتى الكوادر الجديدة التي يتم صبها فقد تخرجت لتسير على نفس النهج القديم. للأسف جهودنا جدا متواضعة فيما يخص اجتذاب وتمكين المتميزين من أبناء الوطن للخوض في مجال التعليم، فلا توجد معاهد ومراكز تضمن تخرج أفواج متميزة بشكل مستدام، ولا يوجد تشجيع للابتعاث في التخصصات التعليمية وتفرعاتها، ولا توجد أي مبادرة أو حديث عن إنشاء مراكز إعداد متخصصين في التعليم ولا حتى تشجيع للقطاع الخاص للقيام بذلك. ربما لهذا السبب، أي مبادرة وطنية ضخمة أو أي فكرة جديدة قد لا ترى النور أبدا، أو قد تطبق بشكل جزئي، أو قد تبدأ بداية جيدة وتتراجع، لأنه لا يوجد العدد الكافي من أبناء الوطن لمجاراة الفكر الجديد الذي تطمح إليه هذه المبادرات العملاقة.
العوامل الثلاثة التي توصلت إليها دراسة "ماكنزي" لنجاح التعليم لا تعني ببساطة أهمية توفير هذه العوامل فقط، بل تتطلب إعادة تصميم وهندسة قطاع التعليم paradigm shift. يمكننا الاستفادة من تجربة التعليم العالي والجامعات الوطنية في رفع الجودة من خلال الحصول على الاعتماد الأكاديمي كأحد أهم الوسائل. لم يخض التعليم العالي أي جهود تذكر في إعادة هندسة القطاع ولصناعة هوية وثقافة جديدة للجامعات الحكومية والأهلية. ربما ساهم الاعتماد الأكاديمي في الرفع من جودة بعض العناصر، لكن هل تغيرت جودة مؤسسات التعليم العالي حتى الآن؟ هل تحسنت تجربة الطالب الجامعية في السعودية؟ أترك لكم الإجابة. حصد النتائج في مجال التعليم يتطلب الكثير من الوقت، ودائما ما يسعى الكثيرون لبذل الجهود الكبيرة، لكن إن لم تسع هذه الجهود لبناء البنية التحتية اللازمة لضمان استدامة النجاح، فسيظل التعليم دوما رهينة المبادرات والمدخلات الكبيرة والمخرجات المبعثرة.