في إحدى المؤسسات السعودية عمل أحد المواطنين السوريين سنوات معززا مكرما، نال الكثير من التقدير المالي والمعنوي، مع أن الملاحظات التي كانت ترد في حقه كثيرة. لقد بقي في عمله تقديرا لظروف بلاده الأمنية ولصعوبة عيشه بأمان في وطنه، هكذا تعاملنا معه، وهكذا وجهنا من قبل الحكومة السعودية، التي وجهت بالتعامل مع مواطني سورية كما نتعامل مع السعوديين، ولم تكتف المملكة بذلك بل فتحت المجال لشريك حياته فعمل في دائرة حكومية أخرى، كما درس أولادهما في مدارسنا وهم ثمانية معظمهم في سن الدراسة، وأحد أولادهما التحق بإحدى جامعاتنا.

غادر المعني البلاد في إجازة الحج بدعوى زيارة أقاربه في تركيا، ولم يعد بعد انتهاء الإجارة، ثم اتصل بإدارة المؤسسة التي يعمل بها وأخبرها بأنه لن يعود ويرغب في تصفية حسابه واستلام حقوقه.. المضحك أنه وهو يتطلع لاستلام حقوقه.. كتب في أحد مواقع التواصل الاجتماعي معللا تركه لعمله ولحياته المرفهة بقوله: ".. للتخلص من الالتزام بقوانين الطغاة -الأئمة- كاتمي أنفاس الحق، لتبقى الأمة في هوائها، مسوقي أصحاب الكفاءات والخبرات نحو المزيد من الهزيمة والفساد بل والموت والفناء.."! ولم يكتف بذلك بل قال إنه يسعى لقول الحق الذي ضاق به صدره وإنه طالما تجرع غصة ما يسمعه من تدليس المدلسين وتسويق الخونة وموافقة السطحيين.

إلى هنا لا تعليق..! فلا أفهم لماذا بقي بيننا في بلادنا لسنوات يدافع عن عمله، بل لقد تناقل زملاؤه خوفه من إنهاء عقده، ولماذا كان عند حديث مواطنين سعوديين معه عن أسفهم لما حل بسورية وأهلها يجيبهم بأنه خسر في سورية -بسبب الأزمة- استثماراته في صيدلية، وبسبب الأزمة نفسها رخص ثمن أرض له، وعن خوفه على بيته فيها.. ردة فعله هذه أثارت تعجب المواطنين السعوديين الذين حملوا الهم خوفا على سلامة سورية وأهلها.. وما زالوا كذلك.. في حين كان همه منصبا على أملاكه.. إذ لم يتطرق حتى إلى خوفه على أرواح أسرته وأصدقائه.

ثم إذا كان بحق يعتقد أن من عاش بينهم لسنوات.. قوانينهم طاغية.. وأنهم أئمة طغاة كاتمو أنفاس الحق.. إلخ، فكيف يستحل مالهم ويطلب استلام حقوقه وتصفية حسابه وهو لم يكمل الإجراءات النظامية لاستلامها، ومن هنا؛ أطالب بتطبيق اللائحة عليه وعلى أمثاله، فلا مجال للرحمة مع هؤلاء، فاللوائح التنظيمية لغير المواطنين تنص على أن من أصر على الاستقالة على الرغم من عدم قبول المؤسسة لها، أو من انقطع عن العمل دون عذر مشروع تقبله المؤسسة لمدة تزيد على 15 يوماً متوالية أو ثلاثين يوماً متفرقة، تعمل المؤسسة -متى رغبت- على إنهاء العقد لانقطاعه عن عمله بدون موافقة، كما تبين مواد اللائحة ما سيتم اتخاذه في شأنه؛ فتبين أنه يسقط حقه في تذاكر العودة له ولعائلته، كما يسقط حقه في مكافأة نهاية الخدمة والإجازة أو التعويض عنهما، كما يستعاد منه جزء بدل السكن عن الفترة المتبقية من العقد إذا كان 6 أشهر أو أكثر، ويطالب بدفع المتعاقد للمؤسسة راتب شهرين إذا كانت خدماته منتهية وفق الفقرتين، أو كفيله الذي كفله قبل مغادرة البلاد إذا كان خارجها.

أعتقد أن علينا النظر مجددا فيمن نضمهم إلينا ونوليهم كل التقدير والاحترام، وإن كانت هذه الحالة شاذة لا يمكن تعميم ظروفها على كافة من وفدوا إلينا، وأسهموا فيما نعيشه -بحمد الله- سبحانه من تقدم، إلا أن هذه الحالة -على شذوذها- أصابتني بغيظ شديد أنا والكثيرين أمثالي.

ومن هنا أطالب بتطبيق القانون على أمثال هذا الوافد، فالسنوات التي قضاها بيننا كثيرة، وقد نال تكريما مضاعفا بعد الأزمة السورية، والتحق ابنه بإحدى جامعاتنا تقديرا لظروفه التي قد تعرض ابنه للخطر لو غادرنا ليكمل دراسته الجامعية في بلاده.. كما أكمل أطفاله الدراسة في مختلف المراحل التعليمية دون أي تضييق، لقد عاملناه وأسرته كما نعامل أبناءنا؛ لأننا نعدهم كذلك.

إن مطالبتي بتطبيق القانون عليه، ومنعه العمل مجددا في كافة مؤسساتنا أمر يدعمه كلماته واستفزازه وقلة وفائه لبلاد عاملته كما تعامل مواطنيها، فهذا وأمثاله لا يستحقون الإكرام.. والله المستعان.