معاناة المرأة في العالم الإسلامي هي حقيقة لا يستطيع شخص صادق مع نفسه أن ينكرها، ولعل ذلك لأن الرجل لا يزال يظن أنها - أي المرأة - ليست سوى صورة متكررة لباندورا المرأة التي خلقتها آلهة الإغريق وجعلتها جميلة جداً لكن قلبها قلب كلب وعقلها عقل ثعلب ونفسها نفس لص، ومنحتها صندوقا تخفي فيه مصائب الكون، وذلك لسلب السعادة من حياة الرجال وإتعاسهم وبلغة أخرى إخراجهم من الجنة.
رغم أن ما سبق هو تراث إغريقي فلمَ صدقه المسلمون؟! في الواقع عليك أن تقارن بين حجم تأثير النص القرآني، الذي ذكر قصة خروج آدم وحواء عليهما السلام من الجنة، الذي جعلهما شريكين في الخطأ وكل القصص الإسرائيلية المتأثرة غالباً بالتراث الإغريقي لتتأكد من سطوتها على العقلية المسلمة التي تبعتها دون إدراك لتنتج بعد ذلك هذه المعاملة القاسية مع المرأة.
لقد برز بعض الرجال الذين جعلوا من إغلاق صندوق باندورا قضيتهم ولم ينسوا أن يقترحوا دس النساء في هذا الصندوق، فلم يعد الشر منفصلاً عنها بل هي الشر نفسه، وإذا ناقشت أحدهم رد عليك لقد أوصانا صلى الله عليه وسلم باتقاء فتنة النساء.
لقد كانت وصية الرسول صلى الله عليه وسلم تحتاج لعقول حقيقية لشرحها ومعرفة أهدافها وتحديد إجراءاتها، لكن ذلك حدث فقط في بداية الإسلام، حيث يخبرنا التاريخ عن نساء يبدين رغبتهن بالزواج من رجال بعينهم عيانا بيانا، ونساء يخلعن رجالهن لأسباب عاطفية، ونساء يتولين مناصب في الدولة ونساء يقفن يشتكين للخلفاء ويرفضن القوانين بل ويغيرنها، ونساء يصف الرواة ملامح وجوههن والرواة بالمناسبة صحابة رضوان الله عليهم والأحاديث في صحيح البخاري. فما المقصود بالفتنة وهل ظلمها وعضلها وتسفيهها والحجر عليها وسلبها كرامتها ليس من الفتنة؟
أليس من الفتنة تزويج شخص تجاوز السبعين من مراهقة فتية يحاول مجاراة شبابها بتجارب العطارين التي لا تفلح غالباً فتسقط في فتنة إغواء سائق أو حارس لأن أهلها نسوا أن الله فطرها على شيء ينكرون وجوده!
أليس من الفتنة إجبارها على إحضار رجل إلى حياتها بمهنة سائق يصبح شريك طريق تلتقيه كل يوم وتحدثه كل ساعة لمجرد أن عقلا قرر نيابة عنها أن قيادتها للسيارة ستفتح صندوق الباندورا! إنها السطحية في تناول النص النبوي ساقت معناه آلاف السنين نحو صندوق باندورا وتخاريف الإسرائيليين ببساطة.
لقد كانت منحة الله للمسلمين هذه النصوص المفتوحة التي تترك للعقل المسلم إدراك جوهرها، لكنه تعطل وقرر أن يغير وجهته من المستقبل إلى الماضي. لقد رأينا كلنا الطفلة الباكستانية ملالا يوسف وهي تستلم جائزة نوبل في لحظة ظن العالم أنه يكرمها أكثر من دينها، بسبب حراس صندوق باندورا الذين أطلقوا عليها رصاصة في رأسها لأنها ذهبت إلى المدرسة.
أليس من الفتنة التعرض لأعراض النساء لمجرد رفضهن لوضع ما! فلماذا أصبحت طريقة الاحتجاج على فكر ما تتمثل في التسابق على طعن شرف صاحبته! فرأينا مبتعثات وشاعرات وكاتبات بل ونساء يعملن في الدولة يتم النيل من شرفهن عياناً بيانا؟!
أوقن أنهن لا يخشين تلك السهام وسيواصلن دورهن حتى تحصل المرأة على حق التعامل كإنسان، فكلما زاد وعي المرأة أيقنت أن تلك السهام طائشة ولا تصيب، وأن ثمة رجلا واحدا فقط يستحق المقاتلة لأجل صورة المرأة في عينيه وهو الرجل الذي كتبت له الشاعرة الإيرانية الراحلة فروغ زاد فقالت له:
"أعلمُ أن صراعي لم يكن سهلاً أمام هؤلاء الزهّاد الأتقياء الكذبة إن مدينتي ومدينتك، أيْ طفلي الحلوَ، كانت على الدوام عشًا للشيطان.
سيجيء يوم ترتعش فيه عيناك بحزن أمام هذه الأغنية الموجعة.. ستفتش عني في كلماتي قائلاً لنفسك: هذه كانت أمي".
إن ذلك يكشف للجميع معاناة حراس صندوق الباندورا مع النصوص في فهمها وإدراك غاياتها وتأطير كلمة فتنة، كما يوضح تواضع مهاراتهم في الإقناع والاحتجاج مما يطرح سؤالاً عظيما وهو: حتى متى يتسلط هؤلاء على فكرنا وثقافتنا؟ حتى متى يقنعون العالم أنهم يتحدثون باسم الإسلام وهو بريء من فكرهم ونظرتهم؟