المشهد الأدبي يمر ـ في السنوات الاخيرة ـ بأزمة حقيقية بسبب عوامل كثيرة ومختلفة، والفاعلون في المشهد يسعون جهدهم من أجل إصلاح ما فسد، ويتحسسون مواطن الخلل.
في مؤتمر الأدباء الأخير الذي انعقد في المدينة المنورة، كان الحضور من المهتمين والفاعلين الذين دعتهم وزارة الثقافة والإعلام شفافين في أطروحاتهم ومداخلاتهم، وكنا نعتقد أن التوصيات ستجد طريقها إلى التنفيذ، لكن هذا لم يحدث.
كانت توصياتنا نتاج عصف ذهني متواصل، وكان البعض ـ وأنا منهم ـ قد امتنع عن طرحه نتاجه الأدبي احتجاجا على المستوى الذي وصل إليه المشهد المحلي ولا تزال روايتي: "ثورة مملكة النساء"، حبيسة ذلك الاحتجاج حتى اللحظة. الجدل حول الاتجاه نحو انتخابات أعضاء الأندية ومجالس الإدارة والجمعيات العمومية، أو خيار نصف الانتخاب ونصف التعيين لا يزال قائما لم يحسم هو الآخر. صندوق الأديب ـ وما أدراك ما صندوق ـ وهو الدعم للأديب والأدب أصبح مثار التندر والسخرية، حيث شرّقت الآراء وغربت في ذلك، و"كل يغني على ليلاه"!
تلك الخربشات التي تفوح برائحة الجسد والقائمة على دغدغة العواطف واستثارة غرائز المراهقين، التي يطلق عليها تجنيا "روايات" لا تزال دون ردع حقيقي من الأدباء وصناع الأدب الحقيقي، حتى انتشرت تلك الكتب الصفراء انتشار النار في الهشيم قبل عدة أعوام.
حماية المشاركات من الزميلات الفاعلات في أثناء حضورهن للمحافل الأدبية والثقافية، وتوفير الأمن النفسي لهن، لم يتم، ولا تزال الأديبات يتعرضن للإقصاء، وأحيانا التعدي عليهن، بل وإخراجهن من الموقع أحيانا على مرأى ومسمع من الجميع.
فن إدارة الاختلاف غائب أو مغيب، ويصل أحيانا إلى الخلاف، بل والعراك اللفظي، وأحيانا الجسدي بين رواد المشهد دونما تدخل حقيقي، أو عدم رغبة ـ في الأصل ـ في احتواء تلك المشاهد التي لا تليق بين منسوبي الأندية، وتركها تصل للقضاء، في لا مبالاة عجيبة، تطرح عشرات الأسئلة عن المستفيد وما الفائدة من كل ذلك العبث؟!
الشللية التي يغرق بها المشهد وتخنق أنفاسه، أصبحت ظاهرة مقلقة، والتجاهل المتعمد لتلك الظاهرة يقلق أكثر ويربك صناع الأدب الحقيقيين والمهتمين بدفع الحركة الأدبية نحو المعنى الحقيقي لهذا المصطلح ممارسة وفعلا.
دمج المراكز الأدبية والثقافية، وجمعيات الفنون، والأندية الأدبية، في مراكز موحدة لتثقيف العقل الجمعي، ووجهة نظر المؤيدين، واستطلاع وجهة نظر المؤمنين ببقاء فصل تلك المواقع والجهات لم يأخذ حقه من التداول بين الفاعلين من: الأفراد، والفعاليات الشعبية، ومؤسسات المجتمع، ولا حتى في الوكالات المختصة في وزارة الثقافة والإعلام، التي يفترض أن ترعى وتشرف على الحراك الأدبي والثقافي.
دعم القطاع الخاص، وطريقة تنظيم ذلك الدعم من الراغبين من الجهات والأفراد، والإهمال العجيب للتسويق لمثل هذا الرافد المهم محل تساؤل وتوقف وتأمل. الاتهامات المتبادلة لعدم تحمل المسؤولية بين الجهات والأفراد وإلقاء اللوم، كل على الآخر، والاكتفاء بدور المتفرج من الوزارة أمر ـ أيضا ـ يدعو للاستغراب.
طباعة الكتب والمؤلفات تخضع لانتقائية عجيبة في بعض الأندية، وكذلك توجيه الدعوات والطريقة التي تتم فيها الدعوة للمحافل، واختيار المدعوين أمر ينطبق عليه المثل القائل: "شر البلية ما يضحك".
لائحة الأندية الأدبية، والعضوية وإدارة الفعاليات، واحتياج الأندية لموافقة جهات عديدة، حتى عند إقامة أمسية عادية، والبيروقراطية العجيبة، ومخاض ولادة تلك اللائحة، التي لم تر النور بعد أمر يدعو للحيرة.
مشاركة المرأة، وحضورها للجلسات في داخل الأندية، والمعارك النسائية التي أصبحت لبعضها شهرة أكثر من حرب داحس والغبراء، واستمتاع البعض بذلك أمر يدعو أيضا للحيرة والتندر.
عدم بقاء أي مدير عام للأندية الأدبية في منصبه لأكثر من عام، في أحسن الحالات، وغيابه باستقالة، أو تغييبه بإقالة لأمر يبعث على التشاؤم.
لكل ما سبق، ولأمور أكثر من ذلك أهمية وحضورا، ولأسباب ـ أحيانا ـ لا نستطيع أو لا نرغب الكتابة عنها في الصحف، واختصار مناقشتها بين أفراد النخبة الفاعلة، تنادى المثقفون والأدباء لوقفة جادة ومناقشة صريحة لاستشراف مستقبل المشهد الأدبي والثقافي، ومناقشة دور الأندية الأدبية بين الواقع والمأمول.
حوارات كثيرة دارت بين النخب والفاعلين في المشهد، واستقر الرأي أن نجلس سوية على طاولة واحدة، لنناقش بصدق وجرأة وشفافية واقعنا الأدبي والثقافي ونستشرف المستقبل وما "حك جلدك مثل ظفرك".
تبرع أعضاء لجنة تنسيق فعاليات ديوان دحام العنزي الأدبي الثقافي في الرياض بتنظيم تلك التظاهرة الأدبية الثقافية بمقر الديوان، وتم تكليفي بدعوة الضيوف المتحدثين واختيار مدير ندوة الخميسية القادمة. قمت بما يجب وتكرم مدير عام الأندية الأدبية الجديد الصديق الدكتور أحمد قران الزهراني بالموافقة على الحضور كضيف متحدث ضمن الضيوف الأربعة. شرفت بموافقة مدير عام الأندية الأدبية السابق الصديق سمو الأمير سعود بن محمد، وسعدت بموافقة الأخ الأكبر أديبنا الأستاذ حمد القاضي، وموافقة الضيف الرابع الصديق الدكتور معجب العدواني، ووافق الصديق الدكتور عبدالله الحيدري رئيس مجلس إدارة نادي الرياض الأدبي على إدارة ندوة الخميسية، التي سنعقدها يوم الخميس الثلاثين من أكتوبر الجاري.
ستكون هناك مشاركات ومداخلات مثرية من: رؤساء الأندية الأدبية، وأعضائها، والفاعلين في المشهد، والمهتمين ممن تمت دعوتهم.
يقول صديقي وأخي الأكبر الأديب عبدالله الزيد عضو لجنة تنسيق الديوان إن تلك الندوة ستكون مفصلا حقيقيا ومنعطفا جادا لاستشراف مستقبل المشهد الأدبي، من وجهة نظره لأسباب عديدة.. أتمنى ذلك.