ليس من السهل أن ينكشف أمر شخص يمارس دور الداعية ويجمع التبرعات لصالح شعب ما، ثم يتضح أن المبالغ التي يجمعها تذهب إلى حسابه الشخصي أو لجهات غير واضحة وربما تكون واضحة للبعض. فالأمر هنا يتخطاه ليصبح الناس يرتابون في كل من يجمع التبرعات ليضيع الصالح بالطالح، والخاسر الأكبر هنا هم أولئك الذين يحتاجون التبرعات نتيجة الظروف المعيشية القاسية التي يمرون بها.
وحين تبلغ الأمور مرحلة تجميد حسابات الداعية وأبنائه في البنوك، فالمؤكد أن الجهات المعنية لم تتخذ قرارها إلا بعد أن تيقنت من الحقائق، فالداعية لا يجمع التبرعات بصورة قانونية، ويغرق الناس بالرسائل النصية ليحصل على أي شيء منهم، وهو لم يفعل ذلك إلا لأنه يعرف أنه في نقطة التبرعات يضرب على وتر عاطفي لدى المجتمع السعودي، لكن مسعاه الأخير باء بالفشل بعد أن تنبه له الواعون وتمكنوا من الإيقاع به، ليبقى السؤال الأهم: أين ذهب ما جمعه بعض الدعاة عبر ثلاث سنوات ونصف السنة من عمر الثورة السورية؟
وهناك أسئلة أخرى كثيرة أيضاً، فإذا كان بعض الدعاة قد أطلق قناتين فضائيتين فمن أين أتى بالتكاليف؟ وما السر في أن أغلب البرامج التي تبث عبر القناتين لا تحمل سوى أفكار التشدد والتطرف التي تأذى الناس منها وصارت عبئا على المسلمين كلهم؟ وما الجدوى من محاولات تكريسها وتحريض الشباب من خلالها على القتال باسم "الجهاد"؟ ولماذا لم يختر بعض هؤلاء الدعاة أفكار التسامح والاعتدال ليقدموها عبر البرامج؟ وهي الأفكار التي أجمع عليها عقلاء العرب والمسلمين في لقاءات ومؤتمرات عالمية، بينما أصر هؤلاء أن يبقوا خارج السرب.
كم من داعية في مجتمعاتنا يمارس الدور ذاته كي يحقق مآرب وطموحات شخصية وأيديولوجية، وكم من داعية تسبب في إرسال الشباب إلى "المحارق".. وذاك "تنظيم داعش" ما زال يبتلع شباب الأمة باسم الإسلام والجهاد، وما زال هناك دعاة يتعاطفون معه برغم كل ما فعله من إرهاب وتشويه لصورة الإسلام الجميلة، فمتى ينكشف هؤلاء للبشر كي يرتاحوا من زيفهم وأقنعتهم؟
الداعية يفترض أن يكون قدوة في السلوكيات والأخلاقيات ولا يُظهر عكس ما يبطن، أما من كان داعية غير أصلي من ذلك النوع "المقلد" فهو لن يتورع عن فعل شيء، فالمظهر هنا لم يأتِ إلا للتضليل، ولعله من وسائل الاسترزاق على حساب عباد الله ممن قد تغرهم المظاهر وينخدعون بالكلام المنمق، وما أكثر مَن يمتلكونه، وما أكثر من يصدقونه أيضاً..