قال الله تعالى: "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا"، أوجد الله الداء والدواء وأمرنا بالتداوي، والله هو الشافي، وقد جعل الدواء سببا في الشفاء، وحضنا على الأخذ بالأسباب، فكانت مهنة الطب، ومنذ أن عرف الإنسان الألم والسقم، كان هم الأطباء وغايتهم: نجدة المرضى وتخفيف آلامهم وأوجاعهم.

مهنة الطب ما زالت من أرقى المهن الإنسانية وأسماها، ذلك أن الله عز وجل قدم الحياة على الموت، والصحة على المرض، والقوة على الضعف، وجعل في إحياء النفس وإغاثتها الثواب العظيم، ولأن إنقاذ الأرواح هو الأصل فقد جرى العرف على أن يقسم الأطباء قسم الأمانة والشرف، ومنه ما أقر المؤتمر العالمي الأول للطب الإسلامي، الذي يختزل أرقى المعاني الإنسانية لعظم درجة التقارب بين الطبيب ومريضه التي تتفرد بالاطلاع على خفاياه الجسدية والنفسية، "-بسم الله الرحمن الرحيم، أقسم بالله العظيم أن أراقب الله في مهنتي، وأن أصون حياة الإنسان في كافة أدوارها، في كل الظروف والأحوال..." إلخ.

يبدأ الطبيب حياته المهنية باستخدام علمه ومهاراته لعلاج الآخرين، رغم علمه وعلمنا أن الشفاء بيد الله وحده، إلا أنه يبذل كل جهده وعلمه أخذا بالأسباب لإنقاذ الآخرين والتخفيف عنهم، ولقد شهدنا ونشهد في عصرنا الحالي نماذج رائعة من الجد والاجتهاد والإخلاص والانضباط والتفوق في تأدية كثير من الأطباء لمهامهم في مجال تخصصاتهم الطبية المختلفة، كما شهدنا ونشهد من زاغ منهم عن غايات المهنة وانحط بها نحو درك الاتجار بآلام الأحياء واتخاذها وسيلة مقيتة للكسب والجشع والطمع، حتى شوهوا المهنة وأساؤوا إليها، وأثاروا سخط المنتفعين بها ونقمتهم.

فأي مهنة إنسانية هذه التي تتحول من تخفيف الآلام إلى تأجيجها وتهييجها! بل وفي صناعتها والترويج لها! وأي أطباء هؤلاء الذين يتحولون من بلسم وترياق إلى سم يزهق الأرواح ويستنزف الجيوب والمدخرات! عدا عن استغلال المرضى واستغفالهم والاستهتار بأوجاعهم والاستهانة بأرواحهم!.

قال تعالى: "ولقد كرمنا بني آدم"، فمن قمة العزة والكرامة التي فطرنا الله عليها، نسقط - بسبب جشع هؤلاء الأطباء- ونصطف في طوابير التصنيف ضمن معادلتهم المنحرفة: (إذا كنت تملك ثمن العلاج فأنت إنسان ويحق لك الاستشفاء، وإذا كنت لا تملك ثمن العلاج فأنت فاقد لإنسانيتك وحقك في الاستشفاء)، نعم، هذه معادلة تجار أرقى المهن الإنسانية!.

سقوط بشع يستخف بإنسانيتنا، وانحدار مقيت يصدمنا بواقع مرير، ولمن أراد أن يدرك حجم الكارثة المهول، ما عليه إلا أن يزور إحدى المستشفيات، ليلمس بسمعه وبصره مستوى انحطاط بعض الإدارات الطبية ودرجة معاناة المرضى فيها، وكل هذا يهون أمام المنتحلين لصفة الطبيب والمزورين للشهادات والمؤهلات والتراخيص الطبية، وما بين الاتجار والإهمال والادعاء والتزوير، تسقط إنسانية المريض ويسقط حقه في الاستشفاء والحياة، اللهم اشف مرضانا، وأصلح حال أطبائنا.