يتحدى الزوايا الصعبة، ويفرز ألوانه لتعانق عناصر الفن ليكملا بعضهما البعض، ومن التحدي للحب في التمعن والنظر بمن حوله، والرغبة في التحدث بصوت مرئي ومشاهد للجميع، متجاهلا في ذلك سن معين، أو جنس محدد، أو فئة معينة.

الفنان نادر العتيبي، بعد إتقان الواقعية التي أخبرنا بحديثه ذات يوم أنه لا يمكن للفنان أن يبدع إلا بعد إتقانه المدرسة الواقعية، التي تفرعت منها جميع المدارس الفنية – حسب قوله – مضيفا أن الواقعية الحقيقية يجب أن تتكون من جميع المدارس، إذ يجب أن يكون للخيال نسبة كبيرة في الواقعية كاختزال المشاهد الجميلة في الذاكرة من تكوين ولون وإحساس.

ويحاكي العتيبي في لوحاته سريالية تستنطق البيداء وتلبس الرمال والجبال جمالا، ويسكب تراكيب لونية تولد نتاجا كأنه صور فوتوجرافية التقطها لتوه عن قرب لممازجات نفسية وتصورات يقدمها بجماليات ورموز يستمدها من بيئته.

العتيبي الذي ينتمي لمنطقة القصيم التي تقع وسط شبه الجزيرة العربية، قدم أعمالا سريالية وغاص في عوالمها التي تقوم على البعد عن الرؤية التقليدية حتى لو كلفها ذلك رفض التفسيرات المنطقية والعقلانية للفكرة، وفيها تلمح بالعين المجردة مفاهيم هذه المدرسة وإطارها العام، والحاوي لمحاولات التعبير عن عوالم اللاوعي والازدواجية والأحلام والكوابيس، وفق ما حددته أطر تلك المدرسة التي راجت، ومن أشهر رواد تلك المدرسة: "سلفادور دالي، وخوان ميرو"، وهي تقوم أساسا على رسم ما يتصوره الرسام وما يتصوره عقله الباطني، من أفكار تنفذ بطريقة خيالية وإن كانت واقعية بعض الشيء.

وفي لوحات العتيبي قواسم مشتركة وخلائط بين مغامرات نفسية وفنية ومحاولات لاكتشاف ظلمات النفس، والبعد عن الحقيقة وإطلاق الأفكار المكبوتة والتصورات الخيالية وسيطرة الأحلام.

بالغ الكثير في رسم الخيل وأيضا الحرف العربي، لكن دون جديد، مما جعله يعيد النظر في القاسم المشترك بينهما وهي الرشاقة المفرطة، -كما يقول- أخذ بالبحث عن طريقة دمج هذين الرشيقين بطريقة يكملان بعضهما مما جعله ينتقي الحرف بدراسة المكان الذي يظهر فيه بكامل رشاقته، محاولا التطوير لهذا الأسلوب، وهو يستمتع في تنفيذ هذا الأسلوب وهو دمج الرشيقين، مطلقا اسم "رشاقة حرف" على هذه اللوحات.

كتب الناقد جلال الطالب، "العتيبي" أحد الوجوه المضيئة بالمشهد التشكيلي السعودي، اشتغل على المنجز الفني من جانبين:

الجانب الأول وهو ارتكازه على المضمون تحت مقاييس فكرية ومرجعية للقيم والمبادئ، فأجاد في هذا الجانب للعمل الفني وهو أنه أوجد فلسفة فكرية للوحة التشكيلية وهذا هو التحدّي الحقيقي الذي تميز به نادر دون غيره، ليأتي بعد ذلك بالقيم اللونية والشكلية للعمل الفني ليضع اللمسة الجمالية الأخيرة من حيث التكنيك والتكوين والإيقاع والتضاد وما إلى ذلك من مقاييس فنية وأكاديمية. ومن هنا نعي أن العتيبي قد اشتغل على ذاته الفنية بإجادته للواقعية كمرحلة أولى لتجربته متمثّلة في أعماله الشوق والراعية والبيوت القديمة، فقد أيقن أن الواقعية هي القاعدة لكل المدارس التشكيلية متخطيها للمدرسة الرمزية بأعماله "دموع السحاب" و"عين الريم" وغيرهما، وصولاً إلى السريالية بأعماله قضية معلّقة وصرخة من الأعماق والأماكن، إلى أن وصل إلى ابتكار منهج مغاير عن المألوف بدمجه الحرف العربي مختزل بكل المدارس التي مرّ بها، ليخرج لنا منجزاً فنيا أسماه نادر "رشاقة حرف"، وهذا يثبت لنا حالة البحث المستمرة لدى نادر والاشتغال على الذات بالابتكار وليس التقليد يجبرنا بأن نترقب بالمشهد التشكيلي العربي وليس السعودي وحسب، أن ثمة فناناً نادراً لدينا ولد من رحم الصحراء.

يذكر أن العتيبي شارك في العديد من المعارض المحلية في الرياض والشرقية وجدة والخفجي والقصيم، وبعض المشاركات الخارجية، بالإضافة إلى العديد من الورش الفنية التي قدم من خلالها أعمالا فنية أمام الجمهور.