لا تتوقف المعلومات التي تصدر عن مسؤولين أميركيين، وتتحدث عن الانقسامات داخل فريق إدارة الرئيس باراك أوباما، حول السياسة الخارجية للولايات المتحدة .وفي وسط هذه الأجواء، جاء كتاب للمؤلف "جوبيكر"، ليؤكِّد من داخل الغرف المغلقة حقيقة هذه الانقسامات، وهو الكتاب الذي يحمل عنوان "كيف يصنع الرئيس سياساته؟"، واصفاً حالة التشتت في رؤية هذا الفريق للعالم، وعدم القدرة على التعامل مع ما يجري فيه من تطورات .نشر "مركز الخليج للدراسات" مقالا تحليلياً عن هذه الانقسامات بعنوان "صورة من قريب للانقسامات في إدارة أوباما"، بتاريخ 23 يوليو الحالي، جاء فيه:
في سنوات سابقة، لم تكن تلك حال صناعة قرار السياسة الخارجية في الولايات المتحدة. فالدور الذي كان يلعبه مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، كان دوراً حاسماً، نظراً لأنه كان يضم نخبة من أقدر أصحاب الخبرة في السياسة الخارجية، والإحاطة بالعالم، بمناطقه الإقليمية، سياسة، وثقافة، واقتصاد .. وهم يقدمون للرئيس رؤية ناضجة، وخيارات متنوعة، ليختار من بينها شكل السياسة الخارجية التي يتبعها، وذلك في جلسات تجري فيها - في حضوره - مناقشات، وجدل بين أعضاء المجلس. إضافة إلى معلومات أجهزة المخابرات، والأمن القومي، بحيث لا ينتهي القرار إلى ما يُعبِّر عن تفضيل الرئيس لتوجه على آخر، وإنما يكون القرار معبِّراً عن الواقع الخارجي، الذي يتعامل معه، ومع مصالح الأمن القومي لبلاده.
صحيح أن العالم دخل في طور تغيير أساسي، في السنوات العشر الأخيرة على الأقل، وبدأت تتعدل فيه أوضاع دول كثيرة، مع بروز لدول صاعدة حققت تنمية اقتصادية مبهرة، إضافة إلى الصعود التاريخي للصين، وهو ما كان يفرض على صانع القرار في الولايات المتحدة، صياغة جديدة لاستراتيجية سياسته الخارجية، للتعامل مع الواقع الدولي المتغير.
صحيح كذلك أن مؤسسات كُبرى في الولايات المتحدة استوعبت كون العالم يتغيَّر، وهو ما كان يعني أن تكون هناك استراتيجية جديدة، تتم صياغتها من جانب أصحاب الخبرة، والعلم، والمعرفة، لكن يبدو أن التغيير في العالم كان يسير بإيقاع أسرع من قدرة إدارة أوباما على اللحاق به، وهو ما أكده خبراء أميركيون في السياسة الخارجية، من أن أوباما لا يزال يسير على نهج الفكر الاستراتيجي القديم والراسخ في العقل الأميركي، عن هيمنة أميركا على العالم، والبحث عن الطرق التي تحفظ لها هذه الهيمنة.
ولما كانت نتائج هذه السياسة، تأتي دائماً بعكس ما كان متوقعاً لها، كثرت الانقسامات داخل إدارة أوباما، حول كيفية إدارة السياسة الخارجية.
وحسب ما نقله "جوبيكر" عن مسؤولين أميركيين، أن جلسات استراتيجية للفريق المعاون لأوباما كانت تعقد، لكنها تنتهي بلا نتائج، أو قرار. وأيضاً بقول مسؤول كبير بإدارة أوباما، للمؤلف بيكر، ليست هناك خطة حقيقية نعمل عليها. وهناك حالة من عدم اليقين بشأن التطورات الناجمة، عن أحداث نرى مظاهرها أمامنا الآن .
المتابعون في أميركا، يذكرون نماذج للارتباك، الذي يسود الرؤية السياسية لإدارة أوباما. من بينها وثيقة التوجه الاستراتيجي الدفاعي لعام2012، التي حددت منطقتين ستظلان محل تركيز أساسي للسياسة الأميركية هما: آسيا/الباسفيك، والشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ثم ما جرى بعد ذلك من توجه لتخفيف التركيز على الشرق الأوسط، لحساب زيادة التواجد الاستراتيجي في آسيا إلى أن عادت أحداث الشرق الأوسط تجذب أميركا من ثيابها - على حد تعبير أحد الخبراء الأميركيين، فبدت إدارة أوباما واقفة بين الاثنين، لا تعرف لنفسها اتجاهاً تسير فيه.
والنموذج الآخر، هو أحداث "الربيع العربي" عام 2011، التي جعلت الولايات المتحدة تشعر أن الزمام هناك أفلت من يدها، بعد أن جاءت الأحداث في الأيام الأولى من عام 2011 مختلفة عمَّا كانت خطة الولايات المتحدة لتغيير الأنظمة، قد رسمتها. وعاشت إدارة أوباما حالة من عدم اليقين مما هو قادم، إلى أن تحركت بضغوط من وراء الستار، لدفع "الإخوان" إلى الحُكم، وهو ما جعلها تشعر أن الزمام عاد إلى يدها مرة أخرى، بعدها سقط حُكم الإخوان، فاندفعت إلى قرارات مرتبكة، تمثل ردود أفعال وتخلو من أي رؤية استراتيجية للمدى البعيد، وتقف في وجه حركة التغيير في مصر، التي فرضت نفسها في النهاية.