يشعر المتابع للفضاء الإعلامي الذي تتكاثر فيه قنوات بكميات تقترب من تكاثر الجراثيم، بأن مرحلة الأفكار المتجددة والقنوات ذات الطرح المختلف تلاشت، بل يمكن القول: إنها اختفت كليا فكل ما يطرح على أنه قنوات جديدة لا يتعدى أن يكون استنساخا متقنا لما ظهر قبل أكثر من 15 سنة. ولأن لكل قاعدة شواذ فإنه يمكن وضع قناة "فور شباب" التي ظهرت منذ حوالي عامين في إطار القناة المختلفة نوعا ما، لأنها رسمت لنفسها طريقا لم يجرؤ غيرها على السير في أشواكه الكثيرة. فهي تقدم نفسها على أنها قناة "فنية شبابية عربية ملتزمة بالحدود القيمية للمجتمع" من خلال بث الأناشيد الدينية والأغاني التي تحث على القيم والأخلاق، ولهذا صنفها البعض بأنها "قناة دينية مودرن" وفي ذات الوقت صنفها المعارضون لها بأنها "قناة إفساد وتضليل للشباب". فقد تمكنت من أخذ المادة التقليدية للقنوات الدينية وهي الحث على الالتزام بالأخلاق الإسلامية، لكنها قدمتها في قالب آخر عرف بأنه قالب للأغاني العاطفية والكليبات التي تجذب فئة الشباب خصوصا لأنها تخاطب الغرائز الجسدية. هذا المزج المذهل بين المادة وقالب تقديمها على الرغم من التنافر الظاهري بينهما، هو في اعتقادي ما يميز "فور شباب" عن غيرها من القنوات التي يعج بها الفضاء. هذا التميز بالطبع لا يعطيها أفضلية على كثير مما يقدم فضائيا، ولكن الأمر يتعلق بفكرة مختلفة، أعتقد أنها بحاجة إلى دراسة موضوعية، لمدى تأثيرها على المتلقين وخصوصا فئة الشباب والشابات. فإذا ثبت أنها تمكنت من ترسيخ قيم دينية وأخلاقية واجتماعية صحيحة تساعد على النهوض بثقافة المجتمع، وإيجاد بديل مناسب لقنوات العهر والانحلال الخلقي. فإنه من الواجب دعمها ماديا ومعنويا. لأن مجتمعنا العربي بعمومه والسعودي بشكل خاص حائر بين قنوات تروج للرذيلة والانفلات الاجتماعي الأعمى، وأخرى تحقنه تشددا وتطرفا وطائفية مقيتة، بشكل يومي، مما ساهم في ظهور تصدع اجتماعي وثقافي خطير، يجب النظر بجدية لدور وسائل الإعلام الفضائية في تكريسه، وذلك لعدم وجود بديل عقلاني، ولأننا من أكثر شعوب العالم مشاهدة لما يبث فضائيا، في ظل ضعف التقييم والتحليل، فكثير من شعوبنا العربية، تتلقف أي معلومة أو إشاعة وكأنها من الكلام المقدس الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه.