من أكثر قصائد العشق البدوي شهرة ورقة، قصيدة يقال إنها للشاعر فهيد الشمري كتبها اعتذارا يستعطف فيها عمه وابنة عمه زوجته السابقة التي ضربها في لحظة خضوع لوساوس الشيطان، ولا يخجل هذا البدوي من وصف عشقه وحالته الموجعة التي لو شكيت على الذئاب لكفرت بسلوكها الطبيعي من مهاجمة الخراف وسرحت معها.
هذا الموقف لا يعد نادراً في المجتمع البدوي، بل هو الأصل والسلوك الحياتي الذي تعيشه البدويات، فمنذ خلق الله البدو والمرأة لديهم تحظى بتقدير كبير وضربها يعد إهانة كبيرة تقوم لها جميع قرابتها وتنتهي غالباً بتطليقها من هذا الرجل، أو إجباره على دفع تعويض كبير يسمى "الرضوة" يقدم مع وفد من رجال يتعهدون للأب ولها أن هذه الحادثة لن تتكرر.
يرى علماء الاجتماع أن إهانة المرأة وإخضاعها جاء بعد سلب حقها في الاستقلال المادي، وذلك ـ ربما ـ يشرح لماذا المرأة في المجتمع البدوي، سواء كان في الربع الخالي في المملكة أم تركستان الشرقية، أم حتى في بادية الطوارق في صحراء أفريقيا تحظى بكل هذا التقدير والثقة. المرأة في المجتمع البدوي منذ طفولتها وهي تملك حصتها من الماشية التي تربيها، وتصنع من حليبها السمن وتبيعه وحتى عندما تنتقل إلى بيت الزوجية، فإن ثروتها الصغيرة تنتقل معها مباشرة ولا يجد الإخوة مانعاً من منحها نصيبها من الإرث؛ لأنه لا يعني كما تعني الأرض في المجتمع القروي الذي يخشى عليها الرجال من الذهاب إلى رجال آخرين عبر منح أخواتهم إرثهم فيرفضون توريث النساء غالباً.
الغريب أن البعض - لبعده عن المجتمع البدوي - يلبس الرجل البدوي تهمة هو بريء منها، وأعني بها العنف تجاه الأنثى، ومن ذلك حملة تقودها نساء واعيات بدورهن الاجتماعي في المملكة أنشأنها ضد العنف ووضعن صورة امرأة بدوية بالبرقع شعارا لحملتهن، مما أثار دهشتي، فالعنف ضد المرأة في المجتمعات العربية لم ينطلق من منطلق بيئي، بل من أيديولوجية متشددة نشأت في مجتمعات متحضرة وليست بدوية ولا ريفية حتى.
هذه الأيديولوجية استندت إلى نص قرآني أخذته حرفياً كعادتها مع النصوص وطوعته وفق نظرتها للمرأة ككائن يخشى من انحرافه، ومن ثم إفساده للمجتمع، فلا بد من السماح بكل أشكال العنف ضده سواء كانت مادية، أم معنوية، كالحرمان من حق الاختيار في أمور الحياة.
عند تتبع النصوص التي تحدثت عن المرأة نجد أن هناك نصاً واحداً ذكر مسألة الضرب، وهو قوله تعالى: (واللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً).
هذه الآية الكريمة نزلت بسبب ما، وهو أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاكياً من ضرب زوج كريمته لها، فقال صلى الله عليه وسلم: ترد لطمته، لكن الله سبحانه وتعالى أنزل في شأن ما حدث قرآناً، موافقاً لما حكم به صلى الله عليه وسلم، فأعاد المرأة وأباها وأبلغهما بما ورد.
الآية الكريمة تأذن ولا تأمر بضرب النساء، وذلك في حالة عظيمة، وهي النشوز والنشوز بمعنى مبسط هو: التكبر ورفض الانصياع لما يأمر به الرجل من الإتيان بحقوقه. هذا الرجل وهذه الحقوق ليس منها خدمته أو طبخ طعامه أو غسل ملابسه بل لا تمنحه حقه في التقدير والاحترام، فالنشوز في اللغة: العلو أي التكبر، فتصور زوجة تتكبر على زوج وترغب باستمرار العيش في بيته والاستمتاع بماله، فهذه المرأة التي تملك هي حق خلعه كما فعلت زوجة ثابت بن قيس التي خلعت زوجها لأنها لا تحبه وفي أقل من عشر دقائق، رضيت بالبقاء زوجة له يعيلها ولا تنفذ أوامره، فكان ذلك أمراً خطيراً لا يؤثرفقط على كرامة الزوج، بل على تربية أطفاله الذين يرون أمهم تضرب بعرض الحائط بما يتطلب منها فعله كزوجة؛ لذا هذه الأسرة أمام انحراف عظيم ستنتج عنه أسرة غير سوية، فيها شخص يتعمد إهانة المسؤول الأول والمؤثر الأكبر، فكان لا بد من الإذن بخيارات منها الوعظ والهجر وانتهت بالضرب.
ومع ذلك جاءت السنة لتجعل هذا الخيار الأخير ـ وهو الضرب - محدداً جداً، وقد وصف ابن عباس أداة الضرب وقال: "بالسواك" أي المقصد هو فقط إثبات قدرته على إيذائها ولو آذاها لحكمت عليه الشريعة بالقصاص.
في مجتمعنا لا يصل الإنسان في الأمور العامة للعمق، وذلك يتحمل وزره التعليم الذي يركز على السطح، لذا سلبت هذه الآية من حقها في التوضيح، وطفق المتشددون يشرحونها للعامة بما يعكس أسلوب حياتهم حتى قال أحدهم إن في الضرب تكريما للمرأة!