من المعروف أن لكل مرحلة عمرية فنونها التي تعبر عنها وتصوغ وجدانها.
وقد قسم علماء النفس المراحل العمرية للإنسان، إلى عدد أساسي والتي تتمثل في مرحلة الطفولة حتى 12 عاما، ومرحلة المراهقة حتى 21 عاما، وسن الشباب حتى سن الأربعين ثم مرحلة الشيخوخة والكهولة. ويندرج بداخل كل مرحلة أساسية عدد من المراحل. ولكن لم يكن بهذا الشكل الذي استحدث مؤخرا، فيما يسمى فنون "الأندر إيدج"، ومصطلح "الأندر أيدج" بدأ في الظهور بسبب "الهاشتاق" على تويتر، والذي شهد إقبالا كبيرا من الشباب الأقل من الثامنة عشرة ليتحول إلى مصطلح شهير بين هؤلاء الشباب على جميع الشبكات الاجتماعية وحتى في العالم الواقعي، يعبرون به عن عالمهم وعن جيلهم. فهل كانت هذه الفنون بجميع أصنافها تعبر عن عالم هؤلاء الشباب الذين يعتقدون تمام الاعتقاد بأنهم مهمشون ومقهورون من عالم الكبار؟!
والمهم في هذا الأمر هو كنه هذه الفنون وعمق مكنونها، والتي تنضح بالتكوين الفكري لهذه الفئات.
وقد تجولت في ردهات فنون هؤلاء الشباب فوجدت: شعراء، ورسامي كاريكاتير، ومغنين، وغير ذلك من صنوف الفنون، فلم أجد إلا فنونا غير ناضجة ومرتبكة ومسطحة ومستعجلة وغير ذلك من فنون الاستعجال التي تميز جيل هذا العصر.
وعلى سبيل المثال فرقة "سبايس بيبي" وهم مجموعة من الشباب تحت الثامنة عشر يقدمون أغاني خاصة بهذه السن. وهؤلاء الشباب هم أنفسهم من قدموا أغنية "بابا فين" من كلمات وألحان الشاعر مصطفى كامل. والمغنية ساندي وأغنية "ناقص دبدوب" التي انتشرت بين الشباب وأصبحت أغنية الموسم والتي غناها الشاب أسامة الهادي وكتبها الشاعر أشرف توفيق فتقول:
"فتّشت كتير هدايايَ الرّاجعة ومالقيتهوش
.. دوّرت فْ كل هدية كتير بالطول والعَرض
.. وقلبت الشنطة كمان عَ الأرض
ولقيتْ دِبلة وجوابات وكروت
..وجنيه مقسوم وصُور وقلوبْ
.. لكن برضُه
ناقص دبدوبْ"
ثم يعرج بالجوابات العالية بين كل مقطع وآخر محتجا على استرداد هداياه من خطيبته بجملة: "ناقص دبدوب"
ثم يقول:
"كل اللّي فْ قلب الشنطة معايَ بيستنظر
وبجدّ الشنطة بدون دبدوب
".. مالهاش منظرْ"
هذا هو كل هم المغني والشاعر الذي يعبر عن عالم من هذه الفئة، وكأن أزمة الدبدوب المفقود أصبحت أزمة مجتمع!
من المسؤول عن توجهات فئات هؤلاء وعن مدارج فكرهم وعن تذوقهم؟ وما القادم من بين أيديهم؟ لأن هذا التقسيم يبدأ بالفن ولكنه ينتهي بتقسيم فكري يثمر عن تقسيم اجتماعي مخيف!
من الذي قسم المجتمع هذا التقسيم المجتمعي المقيت؟! بين فئات الشباب "والأندر أيدج" والشيوخ والنساء وغير ذلك من هذه التقسيمات التي تعرج مدارجها على مستويات الثقافة والسياسة والفكر وكل مناحي الحياة بلا اندماج أو ذوبان! حتى أصبحت كل فئة تطالب بحقها في الحياة وكأنها مستقلة بنفسها بلا محيط اجتماعي.
كان الشباب في الماضي القريب يتذوقون عبدالحليم ونزار قباني ونجيب محفوظ وغير ذلك من الإبداع الجيد. أما الآن فانقسم المجتمع إلى فئات تبحث عن دور باستعجال مرير عن الشهرة والأضواء بدون صقل أو ثقافة!
نحن المسؤول الأول عن كل هذا التقسيم؛ لأننا تركنا فراغا يملؤه غيرنا بما يروق له من أفكار، أو قل التقليد أو لعله التلاقح الثقافي بين القارات في هذا العصر الإلكتروني، فكانت "بريتني سبيرز" الأميركية تلقب بملكة المراهقين، وذلك لأنها تختص بأغانيها لهذه الفئات! فعلى الوجه الآخر وجدنا لدينا المغنية ساندي ذات العشرين عاما تلهب سماء الفن "الأندر إيدجي" بمعجبيها من الفئة ذاته.
وعن سبب ظهور هذا المصطلح يقول الرسام الكاريكاتيري "الأندر إيدجي" في أحد لقاءاته الصحفية:
"بلاش تعايرونا بسننا، وبلاش تحكموا علينا أحكاما بتجرح، ويا ريت تسمعونا الأول وبعدين تقدموا رأيكم فينا مش معنى أنك أكبر مني إن رأيك بالضرورة هو الصحيح وبدون نقاش تعالوا تناقشوا معنا، وبعدين احكموا علينا"، هذه كانت الكلمات التي وجهها إلى كل من يكبره سنا، والمسؤولين، وعلى رأسهم وزارة التربية والتعليم.
دائما، نجد هذه السن تتسم بالرومانسية الشديدة وحرارة المشاعر الغضة الندية، فتداعب أحلامهم كلماتهم، فالدبدوب والدبلة والعملة المقسومة وغير ذلك هي آخر مدارج التفكير إذا ما بحثنا عن عمقه وخباياه. أما في جيل سبق، فعلنا نتأمل مداعبة المحبوبة أو البحث عنها أو مخاطبتها في أبيات إيليا أبو ماضي حين يقول في قصيدته المساء:
السحب تركض في الفضاء الرّحب ركض الخائفين
والشمس تبدو خلفها صفراء عاصبة الجبين
والبحر ساج صامت فيه خشوع الزاهدين
لكنّما عيناك ذاهبتان في الأفق البعيد
سلمى... بماذا تفكّرين؟
سلمى... بماذا تحلمين؟
هذه هي أحلام الشباب وهذه هي كيفية التعبير عنها من جيل كان همه القراءة والتاريخ والجغرافيا. وجيل لم يكن مستعجلا على الإطلاق كما نراه في هذا الجيل، فتكون النتيجة كما في المثل الشعب الذي يقول: "كل إناء بما فيه ينضح"! وهل سيكون المستقبل العربي "ناقص دبدوب"؟ ربنا يستر!