قبل كل موسم حج، ومنذ عقود أكتب متمنيا من تلفزيوننا إظهار منجزاتنا السنوية المتعددة والكثيرة في مكة والمدينة والمشاعر المقدسة، وما إن ينتهي موسم الحج حتى أكتب متحسرا غاضبا متأسفا على حال تلفزيوننا، حيث لا جديد ولا تقدم ولا مواكبة ولا قدرة على تجاوز المألوف، حتى بات عدد ليس بقليل من المواطنين قادرين على توقع آلية النقل التلفزيوني لكل مناسك الحج، وقادرين على وصفها بدقة والمراهنة على فوزهم بما يتوقعون، إذ لا إبداع، ولا تطوير، بل أفق ضيق، ونظرة غير واعية وغير مستوعبة لأهمية النقل التلفزيوني الذي في حالته التعيسة هذه لا يرتكب خطأ عدم القدرة على إبراز المنجز فقط، بل الخطأ الأكبر المرتكب هنا أنه بتعاسته تلك يسيء إلى بلادنا ويظهرنا بخلاف واقع حالنا.
ما أقوله وما أكتبه منذ عقود عن التلفزيون السعودي في جزئية عدم قدرته على تقديم عمل احترافي في المناسبات الكبيرة، ومنها وعلى رأسها موسم الحج هو حديث عدد ليس بقليل من المواطنين، وقبل أيام كنت في مجلس عيد وسمعت عن هذا الموضوع ما يصبح كل كلامي الذي قلته وكتبته عن عجز وفشل التلفزيون كلاما غير دقيق وفيه مجاملة للتلفزيون، فحضور ذلك المجلس تناولوا الموضوع وكأنهم من أبناء المهنة، ولعل معظم ما تم تداوله في ذلك المجلس يستحق النقل لكني سأكتفي بعبارة قالها أحد الحضور في معناها ما يشخص مأساة التلفزيون بدقة شديدة، فقد قال إن خمس دقائق يعرضها تلفزيون (سي إن إن) أو تلفزيون (العربية) أو (الجزيرة) عن الحج تغني عما ينقله التلفزيون السعودي في مئات الساعات!
خلال الأيام الماضية كانت هناك ردود فعل غاضبة وشديدة على ما قاله الشيخ محمد العريفي عن سوء أو ضعف بعض الخدمات في حج هذا الموسم، وكانت الردود الغاضبة تتمحور معظمها ليس على عدم صحة الملاحظات التي ذكرها الشيخ، بل كانت تلومه وتعاتبه وتنتقده كونه تجاهل المنجزات والجهود العظيمة المبذولة، أو كونه لم يذكرها، وما أعرفه أن الشيخ استدرك ذلك فكتب فيما بعد في (تويتر) ما فيه ثناء على الجهود المبذولة في الحج من قبل قطاعات الدولة المختلفة.
أنا هنا سأقول ما لو قاله الشيخ العريفي أو غيره بطريقة غير التي قالها لتم قبوله ولما كانت له تلك التداعيات السلبية، أنا قلت في مقالتي السابقة يوم الأحد الماضي والتي كانت بعنوان (واقع الحجاج يكشف واقع المسلمين)، وخلاصة المقالة أن جهل جل الحجاج بما في ذلك جهلهم بفقه المنسك الذي يؤدونه وراء الكثير من المشاكل التي نعاني منها في الحج، وكنت أقصد الزحام والتدافع والافتراش ومخالفة الأنظمة وطريقة التنقل والنظافة وغيرها من الأمور، واليوم أضيف إلى ما سبق قائلا مثلما تمكنا بفضل الله تعالى قبل سنوات من التعاقد مع خبرات عالمية في تصميم منطقة الجمرات وكذلك الطريقة المثلى في إدارة الحشود في تلك المنطقة ينبغي أن نستعين بخبرات عالمية مماثلة لإيجاد حلول لمن يحجون بشكل غير نظامي ويشكلون رقما كبيرا يتسبب في الزحام وكذلك لمشاكل النظافة والافتراش والتنقل من مشعر لآخر، وللحديث بقية.