ينظر المراقبون إلى المملكة العربية السعودية التي تشكل غالبية أراضي الجزيرة العربية باعتبارها الأنموذج الناجح للدولة العربية الوحدوية. حيث لبت الجهود التي قام بها الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود طموحات إنسان الجزيرة العربية في الوحدة والاتحاد. فكوّن وبجهد سياسي وعسكري واجتماعي دولة عظيمة أسسها بالعرق والنضال بعيدا عن اللافتات الثورية والأناشيد القومية، متكئا في ذلك على الله ثم على نواياه النبيلة وعلى طموحات إخوانه وأبنائه رجال الجزيرة العربية في الوحدة والسيادة والاستقلال.

كانت أراضي الجزيرة منقسمة إلى مناطق حكم ذاتي قبلي تعتاش على الرعي والزراعة البدائية ويسود علاقاتها الصراع على الكلأ والماء والنفوذ، حيث تدور أحداث الغزو والسلب التي يقوم بها الجائعون في الطرق بين المناطق المحلية. حتى صعب على الحجاج والمعتمرين الوصول إلى الديار المقدسة. وفقد الأمن والاستقرار وتراجعت التجارة وتقطعت السبل بالتجار والمسافرين وغدت جزيرة العرب إقليما بائسا ورقما مهملا في المنطقة والعالم.

كان الأمن المفقود أول حاجات إنسان الجزيرة العربية، لكن الملك عبدالعزيز لم يأت بالأمن وحده بل وبالاستقرار والتنمية والرخاء. فحقق بالوحدة السياسية حلما عربيا قديما كان يتم إجهاضه من قبل الغزاة والمستعمرين والقوى الإقليمية الطامعة. وفي واقع الأمر لم تولد الوحدة السعودية الجديدة بسهولة بل بحكمة الملك المؤسس وبفكره الثاقب الذي مزج بين المبادرة السياسية والعمل العسكري والتواصل الاجتماعي.

ولقد واجهت السعودية الجديدة تحديات كثيرة في بداية نشأتها؛ فأطلق عليها المستشرقون ومعهم أصحاب الملل والنحل الدولة الوهابية لتنفير سواد المسلمين من الإعجاب بمنجزها السياسي؛ وضايقها الإنجليز بتفجير مشكلات حدودية مع أشقائها في الجوار. ثم تربصت بها القومية العربية الناصرية في خضم اندفاعاتها الاشتراكية وفجرت حربا في حدودها الجنوبية مع اليمن وأرسلت المخربين إلى داخلها. وهو الأمر الذي تكرره قوى إقليمية طامعة الآن.

لقد صمدت المملكة في وجه كل التحديات وانتصرت على الخصوم والمتآمرين على مدى عصور التاريخ الحديث بفعل ثبات مواقفها المبدئية ووضوح سياساتها الداخلية والخارجية. وكان من أسباب سلامة الموقف السعودي هو الحياد الإيجابي المتمثل في عدم انخراطها في مناطق الصراع والأزمات إلا بما يمليه عليها واجبها القومي والإسلامي من عون أو مساعدة أو وساطة. لكن من الملائم التذكير بأن صلابة الجبهة الداخلية كانت جزءا أصيلا من حصانة الدولة السعودية.