الحرب النفسية مصطلح شهير يستخدمه الخبراء العسكريون، في عالم الاستخبارات الغامض، ويتفنون في تفعيل أساليبه توطئة وتهيئة قبيل بداية الحرب الحقيقيّة في ساحة العدو. صناعة الهزيمة النفسية في الداخل الإنساني للأعداء مغنم حقيقي لدى الطرف المُستهدِف، وحين ينجح في ذلك يكون قد صنع النصر الحقيقي قبل إطلاق طلقة واحدة. حين يكون الطرف المُستهدَف واعيا لذلك ويملك من العقول والطاقات البشرية الواعية التي تفطن لذلك ويتحرك الفاعلون في المشهد لتثقيف العقل الجمعي في أوساط مجتمعهم تفشل جهود الأعداء ويتم وأد خطر الحرب النفسية في مهده.

كلي قناعة أن كل ذي نعمة محسود، وكلي يقين أن مطامع العدو الإيراني وغير الإيراني لا تنتهي، ومحاولة إحداث الفوضى في مملكة البحرين الحبيبة قبل أشهر ليست عنا ببعيد.

أحيانا، تكون صياغة النكتة البسيطة وتداولها بهدف تعزيز هذا الجانب من الحرب النفسية، وربما تفوت على كثيرين بحكم أنها نكتة يصنعها البعض بهدف المتعة أو السخرية من أمر ما. سأضرب مثالا بسيطا لتوضيح الصورة، حين يتم تداول نكتة تشير إلى أن السعودي كسول في أداء العمل أو سيّئ في التعامل مع زوجته بحكم كون "أبو سروال وفنيلة" عديم الذوق أو الفهم في إيصال مشاعره إلى محبوبته، بينما الشخص الآخر في النكتة من الجنسية الأخرى، يتم تصويره رومانسيا جدا أو نشيطا وذا همة، وبإضافة كلمات لصنع النكتة يكون الهدف قد تحقق.

حين يتم تداول نكتة عن "أم الركب السود"، والمقصود طبعا الفتاة السعودية، وتتم صياغة كلمات مضحكة وموقفا يرسّخ في الأذهان بلادة تلك الفتاة أو كسلها، يكون الهدف قد تحقق. مع مرور الوقت وانتشار تلك النكات يتم استقبالها في مراحل لاحقة من خلال اللاوعي كحقائق، وتكون بهذا قد انتقلت من كونها نكتة مضحكة مسلية أو ساخرة إلى حقيقة ثابتة ويتم تقبلها كصفة دائمة ملازمة دون أن نشعر.

كذلك الأمر بالنسبة لترسيخ مفاهيم الضعف أمام الثقافات الأخرى أو المجتمعات الأخرى وتهويل القوة لمجتمع الأعداء وقوته العسكرية وتتم هزيمة الوعي بتغييب الحقائق وإحلال صورة نمطية أخرى تلازم التصور الداخلي للعقل الإنساني المُستهدف.

لايكاد يمر يوم ـ في الفترة الماضية ـ إلا وتصل إليك رسالة عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر جلسات الشباب وأحيانا ـ للأسف ـ في وسائل الإعلام تسخر من السعودي ومجتمعه بطريقة أو بأخرى.

أحيانا تكون على شكل شكاوى وتذمر من أن المخدرات تكاد تكون أمرا عاديا في كل بيت سعودي، وأن المجتمع برمته أصبح مدمنا، وتارة من أن المجتمع أصبح مرتعا لكل أمراض الدنيا وأننا شعب يحتضر وينتظر الموت فقط. أحيانا يتم تصوير الآلة العسكرية السعودية على أنها ضعيفة وأن دولة كالصومال ـ مع احترامي للصومال ـ تملك أسلحة متطورة أكثر منها. يتم تصوير السعودي أحيانا على أنه ذلك الإنسان الذي يعيش في البادية لا يحسن استخدام أجهزة الهاتف الذكية التي يشتريها بأغلى الأثمان. يتم تصوير تلك الإمكانيات الضخمة في بلد أشبه بقارة وكأنها عدم لدرجة أن فرقة من الكشافة لدولة فقيرة تستطيع احتلال الوطن بما فيه. يتم تصوير المجتمع بأنه رجعي متطرف لا ينتمي لهذا العصر بكافة شرائحه وضعيف إلى درجة تستدعي الرثاء وأن الحل هو مزيد من البكاء والعويل وانتظار الموت أو معجزة من السماء. المرجفون في المدينة يحسبون أن كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم أيها القارئ العزيز، المرجفون في المدينة يلبسون الثوب الذي تلبس ويرتدون الشماغ والعقال اللذين تعتمرهما فوق رأسك. يشاركونك في اللهجة لكنهم يختلفون عنك في الذكاء والوطنية. المرجفون في المدينة الذين دائماً ما يزداد نشاطهم في أوقات الأزمات أو حين تكثر الصراعات والحروب في الجوار، هما نوعان لا ثالث لهما: إما عميل يخدم العدو عن تخطيط مسبق لأهداف مختلفة، أوعميل يخدم العدو بغباء وحسن نية. كلاهما شر لا بد من القضاء عليه بالانتباه للأول ومراقبته من قبل الجهات المختصة، وتثقيف عقل الآخر وممارسة التنوير وتبيان الحقائق ليتوقف عن تقديم الخدمة المجانية لأعدائه.

حين تأتيك رسائل من هذا النوع فلا تقابلها بالسلبية والصمت، بل كن إيجابيا وأوقد شمعة بدلا من أن تلعن الظلام. السعودي هو ذلك العربي الصميم حفيد الصحابة الذين صنعوا الحضارة بأخلاقهم ودينهم السماوي، هو الطيب الشجاع الكريم الذي لا يرهبه الموت، هو الذي درس في أرقى الجامعات ويستخدم أفضل وسائل التكنولوجيا بكل حرفية، هو الطيار والأستاذ والطبيب والمخترع والمثقف والأديب والكاتب وصانع الرأي، هو الحنون المحب. السعودية هي المسلمة الذكية حفيدة الصحابيات الطاهرة العفيفة الأريب العريب الرومانسية الملكة المدللة العاملة النشطة أخت الرجال وبنت الرجال العالمة المخترعة المدبرة. وطنك السعودي الدوحة الشامخة الذي يجبى إليه خيرات كل شيء الوطن المقدس بقداسة مكة والمدينة، يملك النفط عَصب الحياة ومساحة أشبه بقارة جغرافيا يشكل اقتصاد العالم من خلاله كونه أحد العشرين دولة الأقوى اقتصاديا في العالم. يملك ترسانة من الأسلحة المتقدمة المتطورة جوا وبرا وبحرا، اشتراها بحر ماله من كل شركات العالم المنتجة للأسلحة وبدأ مرحلة التصنيع.

إن وطنك يرتبط بأحلاف مع دول عظمى ومعاهدات مع دول إسلامية يملك فيها أكثر مما تملك تلك الدول ذاتها من الأسلحة وبرامجها السرية. وطنك لديه من القيادات الفاعلة والمخلصة والحكيمة ما يكفي لأن تشعر بالأمان والقوة، لكنهم رجال أفعال لا أقوال، وما مناورات سيف عبدالله عنك ببعيد.

أيها المرجفون في المدينة: سحقا لكم وتبا لكم، كلنا وعي وذكاء وفطنة، وقد خسرتم المعركة معركة الوعي والإدراك، السعودي هامته في السماء، ليث في الميدان، عابد في المِحْراب يصنع الحياة ويرسم المستقبل.