في السياسة مبدأ يقول إن "التصريحات القصيرة ليست وعودا". وقبل بدء شن التحالف الدولي غاراته وضرباته على مواقع تنظيم داعش في سورية والعراق، أطلق كثير من المسؤولين السياسيين والعسكريين تصريحات تفيد بفتح الطريق لحسم تقدم تنظيم الدولة على الأرض في كلا البلدين، ربما اعتقدنا لوهلة أننا سنسمع عاجلا عن تفتيت التنظيم وكسر شوكته، ولكن بالسرعة ذاتها استدركنا أن هناك اختلافات في الرؤى العسكرية والسياسية نتيجة لاختلاف المصالح.
من الصعب، بالطبع، غرز الإبرة العسكرية في قلب النظام السوري لأن التحالف لم يتم تكوينه بموجب قرار من مجلس الأمن، وإنما تم وفقا لشراكات سياسية تلتقي عندها هموم وقلق خاص بمصالح الدول المتحالفة، والولايات المتحدة التي تزعمت هذا التحالف غير مهتمة بإطلاق حرب على النظام السوري وإضعافه لصالح المعارضة، وتميل إلى قطع رأسه في العراق أكثر من سورية رغم تشابك وامتداد التنظيم عمليا في الدولتين، ونظريا في كامل الخريطة الإسلامية التي يعتزم الانتشار فيها لإقامة خلافته ودولته.
أتوقف عند تصريحات لمسؤولين أميركيين، لقناة CNN طالبوا بعدم نشر أسمائهم تطرقوا فيها لعمليات التنظيم وحصاره لمدينة كوباني - عين العرب السورية الحدودية مع تركيا - أكدوا فيها أن المدينة ستسقط بيد المهاجمين من عناصر "داعش"، وأن ذلك لا يقلق أميركا كثيرا لأن مهمتها في سورية ليست حماية المدن والبلدات، وإنما هدف الولايات المتحدة من مواجهة التنظيم في سورية القضاء على قادة التنظيم ومنشآته النفطية وبنيته التحتية بما يشل قدرته على العمل، خاصة في العراق، لأن مهمة "إنقاذ العراق" أكثر أهمية على المستوى الاستراتيجي بالنسبة لأميركا لعدة أسباب، أبرزها أن الولايات المتحدة ترتبط بعلاقات مباشرة مع الحكومة العراقية.
تلك التصريحات مقلقة وتكشف عن تخبط وتخذيل للمسار العسكري في مواجهة التنظيم الذي يستفيد من هذه الرؤية الأميركية المزعجة، مما يعني أن التنظيم بـاق وكلما قطع منه جزء نبت غيره، وذلك ما يجعل أميركا والتحالف يحرثون في البحر ويكتبون على الماء نهاية التنظيم، ذلك غير عملي وليس ذا جدوى، فالقضاء على التنظيم لن يتم بهذا المستوى المتواضع من الفهم للقوة العظمى، إنها في الواقع تخطئ وتخسر المعركة بينما يربح التنظيم، وقريبا إن تركته يسيطر على كوباني ستجده يحاصر بغداد التي تزعم حمايتها.
مخططات التنظيم معلنة ومعروفة، ولديه تكتيكاته العسكرية في المواجهات، وحين يتبعثر الخط الاستراتيجي للتحـالف على النسق الذي يصرح به أعضاؤه وتحديد مصالحهم في أطر ضيقة؛ فإن كل ما يجري وما ينتج هو أن يبقى التنظيم، لأنه يتم اصطياد ذبابة بقذيفة دبابة، وحين يغزو التنظيم مـدينة تلو الأخرى وتقف أميركا حـول فكرة محورية تتعلق بقادة التنظيم والمنشآت النفطية؛ فإن من المتوقع أن هيكل التنظيم يرقّي قائدا بعد آخر في تسلسل يبقي أميركا تدور حول نفسها لأن استهداف القيادات في شخصها أيضا غير مجـد، وذلك يجعلنا نشك في قدرات أميركا الاستخباراتية والاستراتيجية، أو أنها قوة دون عقل فاعل، كلما حاربت حركت أساطيلها وبوارجها وغواصاتها وأطلقت صواريخها باهظة الثمن لتضرب الصحراء والبني التحتية وتهدم كل شيء فيما يسلم الفاعلون ويبقى الإرهاب على حاله.
في المستقبل قد لا يتم الاعتماد على قوة أميركا، لأنها لا تحقق نتائج فاعلة على الأرض وفي الميدان العسكري، بل بالعكس فإنها بذلك تزيد الإرهابيين ثقة في انتصاراتهم وتجعلهم يرفعون شعارات مضللة حول قوتهم التي تقاوم القوة العظمى، إنها باختصار تمنح هؤلاء طاقة مضاعفة وتزيد من إرهابهم بدلا من إضعافهم، وفي المحصلة تجعلنا نخسر دون مبررات سوى أن أميركا تستعرض بقوتها وتخطئ هدفها، ونتحمل نحن في المنطقة نتائج أخطائها، وذلك يتطلب مراجعات في التعاون والتحالف معها في أي حروب حاليا أو في المستقبل.