سأعترف اليوم أن بداخلي قاموسا مكتنزا بمفردات الحزن ما يجعلني قلما سائلا للآلام والمراثي. أنا كاتب تأبين ونعي. كنت ما قبل البارحة معزيا ومواسيا للصديق الأديب المؤدب علي مغاوي في فاجعة نجله الأكبر وفي الرحيل الثقيل للحفيدة سلاف. في المأساة التي تصارعها أسرة مكتملة مع آلام وجراح.. ابتسام.. حين تفيق بإذن الله من الغيبوبة على (صحوة) رحيل الزوج والبنت. وأنا اليوم لا أكتب مأساة الصديق ولا رحيل خالد وسلاف. صاحبنا مطمئن جدا على الميت، ولكنه يبكي مأساة.. ابتسام.. حين تفيق على هذه الصدمة.

قصة هذا الصديق المؤمن بقضاء الله وقدره هي قصة آلاف من البيوت السعودية التي فتحت آلاف سرادق العزاء تحت فوضى الطريق والاستهتار بأرواح الناس دون قانون أو محاسبة. قصة خالد لوحدها تستحق ألف نظرة تأمل ومليار وقفة. قبل سنوات قليلة نجا.. خالد.. بأعجوبة من خطأ مستهتر، وللأسف، على ذات الطريق، وصارع لأشهر طويلة كي يعود لأكسجين الحياة الطبيعي وذهب إلى غرب الأرض لتدليك وترميم مجاري الدماء والحياة إلى ساقيه. بذل الكبير علي مغاوي كل ماله وجاهه وجهده كي تبقى نبتة خالد حية يسير فيها ماء الحياة وهو لم ينسى وقفة الإنسان.. خالد الفيصل.. معه في أحلك الظروف السابقة. لكن الأخ الغالي أبو خالد، لم يكن، سامحه الله، يعلم حين بذل كل المستحيل من أجل نبتة.. خالد.. من الحادث المؤلم السابق؛ أنه كان يزرع إلى جواره شجرتي سلاف وابتسام. جاهد أبو خالد لسنوات طويلة لترميم وإنقاذ ما كان شجرة خضراء واحدة، ولم يكن يعلم أنه جاهد كي يعيش مصرع (حديقة) مكتملة حول الشجرة القديمة في الحادث النهائي الأخير.

وحين يحدثني الأديب المؤدب ما قبل الأمس عن ندمه على ثقافة التسامح التي أخذته من إنقاذ شجرة إلى مصرع حديقة كاملة؛ وكل جوابي إليه لم يكن سوى (ثقافة اليأس) لأن الذين حصدوا أرواح خالد وسلاف وحطموا كل دقيقة من حياة ابتسام، الطويلة بإذن الله، هم أربعة أشقاء قبرناهم أيضا في مقبرة مجاورة: كل هؤلاء الستة اليوم في المقابر خارج حسابات مصطلحاتنا الدنيوية من التسامح أو المحاسبة فكيف لأبي خالد أن يتسامح أو يعفو عمن لاحقوا (حديقته) إلى ما بعد خط اليمين الأصفر. قصة (سلاف) هي قصة (المقبرتين).

مأساة وطنية مكتملة.