في يوم الجمعة الماضي، 3 أكتوبر، أعلن رئيس الوزراء السويدي الجديد عزم بلاده على الاعتراف بدولة فلسطين، مما يجعل السويد أول دولة في غرب أوروبا تتخذ هذا القرار. وبسبب دورها المؤثر في السياسة الخارجية الأوروبية، وسمعتها في الحياد والانتصار للعدالة في الشؤون الدولية، فمن المحتمل أن تشجع خطوة السويد دولاً أوروبية أخرى لاتخاذ خطوات مماثلة، وقلب موازين الدبلوماسية لصالح الدولة الفلسطينية.
والسويد بذلك هي رابع دولة عضو في الاتحاد الأوروبي تعترف بالدولة الفلسطينية، بعد المجر وبولندا وسلوفاكيا (التي اعترفت بفلسطين قبل انضمامها للاتحاد الأوروبي). وبالطبع سبق أن اعترفت أكثر من 130 دولة بدولة فلسطين (أكثر من الدول التي تعترف بإسرائيل)، ولكن معظم دول أوروبا وشمال أميركا، ومنظومة الاتحاد الأوروبي، ما زالت متأخرة عن الاعتراف بها.
وقال رئيس الوزراء السويدي (ستيفان لوفن) في أول خطاب له أمام البرلمان: "لا يمكن حل الصراع بين إسرائيل وفلسطين إلا بحل الدولتين"، مُضيفاً: "إن حل الدولتين يتطلب اعترافاً متبادلاً ورغبةً في التعايش السلمي، ولذلك فإن السويد ستعترف بدولة فلسطين".
ويقود (لوفن) حزب الديموقراطيين الاجتماعيين السويدي، وهو حزب يسار الوسط الذي فاز بأكثر الأصوات بنسبة 31% في الانتخابات النيابية التي عُقدت في 14 سبتمبر 2014. وكانت الحكومة السويدية السابقة، التي تمثل يمين الوسط، قد صوتت منذ عامين لصالح قرار الأمم المتحدة بشأن وضع فلسطين كدولة غير عضو في الأمم المتحدة، ولكنها لم تتبع ذلك باعتراف قانوني بدولة فلسطين خارج نطاق الأمم المتحدة.
وبالإضافة إلى الدول الـ138 التي صوتت لصالح القرار الأممي في نوفمبر 2012، امتنعت 41 عن التصويت، في حين صوتت مع إسرائيل 8 دول فقط، هي الولايات المتحدة، كندا، تشيكيا، جزر مارشال، ميكرونيزيا، ناورو، بالاو، وبنما، ومعظمها دول صغيرة ليس لها تأثير يُذكر.
ويلفت النظر مؤخراً تغير إيجابي في المواقف الأميركية نحو دولة فلسطين، كما تُظهرها تصريحات المسؤولين والبيانات الرسمية التي تبنتها أميركا مع بعض شركائها. ولذلك يمكن إهمال تصريح الخارجية الأميركية منذ أيام بأن الاعتراف السويدي "سابق لأوانه" باعتباره روتينياًّ لا يعبّر عن التوجهات الجديدة للإدارة الأميركية. وهو تصريح مثير للسخرية، لأن الأمم المتحدة سبق أن صوّتت بأغلبية الثلثين، في نوفمبر 1947، بتأسيس دولتين إحداهما عربية والأخرى يهودية في فلسطين. وسارعت أميركا بالاعتراف بإسرائيل في مايو 1948، أي منذ 66 عاماً، ولكنها لم تعترف بدولة فلسطينية حتى الآن. ولذلك يمكن القول إن الولايات المتحدة قد "تأخرت" كثيراً في تنفيذ ذلك القرار، والقرارات التي لحقته، بشأن الدولة الفلسطينية، لا اتهام السويد بأنها "تعجلت" في قرارها.
ويمكن النظر إلى قرار السويد في ضوء الاعتراف الدولي بالحاجة إلى كسر الجمود في حل القضية الفلسطينية، حيث تظهر إسرائيل وهي ترفض كل الحلول الوسطى، بما في ذلك ما تقدمه الولايات المتحدة، حليفها الرئيس وأحياناً الوحيد، بل تعرض وزير خارجيتها (جون كيري) إلى حملات من التشهير من قبل قادة إسرائيل، لأنه تجرأ أحياناً على الصمود في طرحه لخيار التفاوض في وجه التعنّت الإسرائيلي.
وفي حين يعيش قادة إسرائيل في أوهام إمكانية الاحتفاظ بالوضع القائم إلى ما لا نهاية، تزداد معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال، ويشهد العالم باشمئزاز رؤية إسرائيل للمستقبل وهي تطلق عنان آلة القتل والدمار لتدمير غزة فوق رؤوس سكانها، في واحدة من أكثر المعارك دموية وأقلها تكافؤاً في العالم.
أفزع هجوم غزة الأخير، كسوابقه، الكثيرين من أن يستمر ذبح الفلسطينيين على هذا النحو، في ظل الفشل الرسمي، الدولي والعربي والفلسطيني، في إيقاف عدوان إسرائيل، وفي ظل رفض إسرائيل للقبول بدولة فلسطينية، رغم تظاهرها بخلاف ذلك، وإصرار قيادتها على المضي قدماً في تثبيت دولة للفصل العنصري. ولذلك ازداد الدعم للحملات الشعبية المؤيدة للفلسطينيين، وبدأ تأثيرها يظهر على المستويات الرسمية، في إطار الأمم المتحدة وعلى الصعيد الوطني في عدد من الدول المناصرة لإسرائيل.
وتعد (حركة المقاطعة والعقوبات ونقل الاستثمارات) أو BDS إحدى أهم الحملات التي تعبر عن هذا التوجه الجديد، الذي أظهر نجاحاً لا بأس به في مقاطعة منتجات إسرائيل وجامعاتها وفعاليتها الفنية والرياضية.
وفي السويد كان للحركة تأثير ملحوظ، حيث قادت حملة للتشهير بشركة (فولفو) السويدية المعروفة، التي تساعد منتجاتها إسرائيل على تشديد قبضتها على الأراضي الفلسطينية. وكان من نتائج ذلك أن أوصى البروفيسور (ريتشار فالك)، المقرر الأممي لأوضاع حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، في تقرير له لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، بمقاطعة شركة فولفو "إلى أن تغير عملياتها بما يتواءم مع معايير حقوق الإنسان والقانون الدولي".
وبالمثل، أظهر أعضاء البرلمانات الأوروبية تأييدهم للاعتراف بدولة فلسطين، حتى في الدول التي تتردد حكوماتها في الاعتراف بها. فنجح البرلمان الإسباني، على سبيل المثال، بالتصويت على الاعتراف بدولة فلسطين منذ عام 2011. وسيكون من المهم متابعة ما يجري في البرلمان البريطاني حين يستأنف أعماله الأسبوع القادم (13 أكتوبر)، حيث من المتوقع أن يُطرح للتصويت مقترح بالاعتراف بدولة فلسطين. وقد طرح المقترحَ أعضاء فاعلون في حزب العمال المعارض، وأعلن كثيرون تأييدهم للتصويت إيجابا. ولكن النتيجة غير مضمونة، خاصة باعتبار العلاقات الوثيقة بين الحكومتين البريطانية والأميركية، حيث تتردد الأخيرة في قبول فكرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية خارج إطار المفاوضات التي ما زالت تأمل في إحيائها ونجاحها.
وبصرف النظر عن نتيجة التصويت في البرلمان البريطاني، فإن الزخم لصالح الاعتراف بدولة فلسطين يتنامى، مدعوماً بقرار حكومة السويد التي تحظى باحترام دولي معروف. وسيستمر إلى أن يتم إقناع بقية الدول الرافضة، وهي أكثر الدول قرباً من إسرائيل وتأثيراً فيها، بأن تقوم بتحمل مسؤولياتها والاعتراف قانونياًّ بدولة فلسطين، مما سيساعد على إقناع إسرائيل بقبول الأمر الواقع الجديد، والتخلي عن أوهامها بالبقاء في الأراضي المحتلة.