ها هي أيام العيد قد ولت وذهبت بفرحتها وسعادتها التي لم تخلو من منغصات، حتى وإن كان كثير من ربعنا قد يمم نحو الخارج لأن عيده لا يحلو إلا بالابتعاد عن الوطن، ولا نظلمهم في ذلك أو حتى نتدخل فيما لا يعنينا فلكل شأنه، وإن كنّا نعلم أن من بينهم من يفعل ذلك من فرط "سوء دبرة" يعاني منها.

ما علينا منهم لكن عيدنا جميل حتى وإن شهد تقلبات جوية مناخية ما زالت مستمرة، بلا شك أنها أعيت كثيرين وحدت من تحركاتهم، وبما جعل تجمعات الفرح أقل مما كانت عليه في السابق، أيضا عيدنا جميل حتى وإن كانت أسعار أضحية العيد مرتفعة جدا وبما جعل التأجيل سمة لبعض من يؤثر فيهم هذا الارتفاع السعري المبالغ فيه.

الكل كان مبتهجا بالعيد إلا مدينة الرياض، فلم تكن تلك المدينة الساكنة الوديعة خلال هذا العيد، فهي ما فتئت حتى في أيام الفرح تعاني من العمليات الجراحية التي تعيق مساراتها، فهي استقبلت خلاله مشروع مترو الأنفاق، فلم تنفك من جعلها مخروقة محفورة في كل اتجاه وخلال كل طريق رئيسي، حتى كاد الناس يختنقون من فرط الزحام والتحويلات والتغييرات، لكن لنكن متفائلين بعاصمتنا لأنها تنتظر عيدا مروريا بعد تلك العمليات نتمنى أن يكفيها شر الزحام الذي أرق مضجعها.

ما أفرحنا أكثر أن عيد المسلمين في مكة المكرمة أثناء تأدية مناسك الحج كان رائعا، حتى لو حاول البعض نقل عفنه السياسي إلى هذا النسك العظيم، وإن كان المسلمون قد نالوا - ولله الحمد - مبتغاهم مع كثير من السعادة من فيض الطمأنينة والسلامة وحسن تدبير الحج لهذا العام، لأنه كان موسماً حافلاً بالعناية الإلهية للحجاج، وبما قيض الله لهذه البلاد من قادة همهم راحة الجميع، ولأنه سبحانه جعل أركان الحج سهلة التنفيذ وله الحمد والمنة، ولأن هناك مشاريع ضخمة كانت عنواناً للتوجه السعودي نحو كل ما يخدم ضيوف بيت الله.

لن نتخلى عن الفرح والتفاؤل لكن إخواننا العرب لا يريدون ذلك، فبين كل منغص ومنغص، منغص آخر، فما زلنا ننتظر دحر الإرهاب ودفنه، وما زلنا نرجو الله أن يفك سورية من ظلم الأسد وأعوانه، هذا الباغي الذي تعلم من أسياده الروس - كما كان ستالين - إبادة شعوبهم أولا، وما زلنا ننتظر لعل الله يمنح الحكومة العراقية الجديدة المصداقية حول توجهاتها القاضية بالاحترام المتساوي لكل الطوائف في العراق! وأن يعيد الأمن والطمأنينة لليبيا، وأن ينجي اليمن من الباغين والطائفيين وإخوان الشياطين.

عيدنا جميل وبلادنا أجمل، وديننا عظيم وربنا رحيم، لكن حبنا لبلادنا وانتماؤنا لديننا وعروبتنا جعلنا نتعلق بكل من ينتمي لهاتين الصفتين، حتى لو ظل بعضنا من العرب وبعض طوائف المسلمين يدور في فلك الغيظ ورفض الآخر، في الوقت الذي كان حريا به أن يبتسم في وجهه ولو مجاملة!

كل عام وأنتم بخير.