الدعاء بلا روحانية أو اتصال وجداني وشعوري بالخالق؛ يصبح مجرد قراءة عابرة لأي نص أدبي إنشائي. والصلاة بلا انقطاع عن العالم المحيط وتجل للروح في فضاءات خالقها؛ تغدو طقوسا غريبة يمارسها الإنسان بحكم العادة أو التعود.
والأمر منطبق بشكل أكثر عمقا على الحج والحجيج.. هل غادر آلاف الحجاج ديارهم ومنازلهم وأهلهم، ليلتقطوا (سيلفي) فوق جبل عرفة أو في صعيد مكة أو مزدلفة؟ ثم يمررون اللقطة حالا للمتابعين الأعزاء في قنوات التواصل؟ أتساءل: أين الانقطاع لله سبحانه في الدعاء والحاج يراقب خفية فلاش الكاميرا، هل التقط له صورة حال الدعاء أم لا، وإذا حدث وانهمرت من عينه دمعة في حضرة موقف مهيب أمام الكعبة، سارع إلى الكاميرا قبل أن تجف دمعته، ليثبت للعالم أنه خاشع؟
الكثير من حجاج الداخل والخارج، امتلأت حساباتهم الأنستجرامية والتويترية وغيرها بصورهم يتجولون بإحراماتهم، ليس في السوق أو في الشارع بل وهم يدعون ويصلون ويبكون أو يتباكون، امتلأت حساباتهم وخلت أرصدتهم من الروحانية والخشوع والانقطاع إلى الله تعالى وترك ما سواه.
في عصر جنون التكنولوجيا، والانقلاب الحياتي والاجتماعي الذي أحدثته تقنية التواصل الاجتماعي بقنواتها المتعددة؛ بتنا نفتقد الكثير من الوجدانيات في حياتنا، وبات جهاد النفس أكثر صعوبة، في التخلي عن كل ما يشغل المرء حال التوجه إلى خالقه، اخرسوا هواتفكم الغبية ودسوها في جيوبكم، دون أن تدسوا معها عقولكم وقلوبكم، كما يحدث غالبا.. توجهوا إلى الله عزلا ماديا وذهنيا من كل شيء إلا الرغبة في مرضاته، وبدون هذا الأمر، تبقى الطقوس، ويغيب المعنى الحقيقي للحج. وكل عام وأنتم ومن تحبون بألف خير.?