من رحلة البؤس والشقاء والمرض الذي لازم الناقد الدكتور عالي بن سرحان القرشي، منذ صرخته الأولى التي أطلقها في فجر العيد في عام 1371 هـ، نسجت المعاناة تحديا كبيرا لدى الطفل الذي فرح والداه بقدومه كثيرا كي يكون راعيا للغنم، وعضدا لوالده البدوي المتنقل ومساندا في مواجهة ظروف الحياة التي تعتمد على الرعي والترحال.
وفي حين كان الأبوان يهيئان الطفل لمهمة رعي الغنم، كان هاجس العلم يتسلل إلى ذهن البدوي الصغير الذي كان يمر بمحطات صعبة في صباه، أكثرها ألما الفقد المتواصل لأشقائه الصغار، الذين كانت تداهمهم الحمى ويخطفهم القدر، لكنه مع ما كان فيه من أمراض كان أكثرهم حضا في الحياة.
وبعد أن تجاوز الصغير مرحلة الخطر، وقاوم الأمراض؛ بدأ المنعطف الجديد في حياته عندما اصطحبه والده إلى معلم فلسطيني أنشأ ما يشبه الكتاب، ليعلمه القراءة والكتابة، فتعلم القرشي في بعض المناهج إلى مستوى الصف الخامس، وبعد أن انتقلت أسرته إلى قرية الدار البيضاء في وادي محرم، استطاع أن يكمل تعليمه الابتدائي في مدرستها بتفوق.
ومن مدرسة الدار البيضاء إلى دار التوحيد التي تلقى القرشي فيها تعليمه المتوسط والثانوي ليضع أول لبنات الفكر، ومن ثم ينطلق إلى مرحلة التعليم الجامعي التي عندها بدأت تتشكل ملامح الهاجس الثقافي بمحاولة تسجيل أول فعل ثقافي من خلال إصدار مجلة حائطية تحولت إلى مجلة تطبع بالآلة الكاتبة حملت اسم "الأصداء" بمشاركة سعيد السريحي، وعثمان الصيني، وعاصم حمدان، وغيرهم.
وبعد انتهاء مرحلة الماجستير عام 1982، بدأ القرشي يشعل حراك ثقافي في المشهد الثقافي حول النص الشعري، وسجل حضورا في المشهد مستفيدا من تنافس الأندية الأدبي، وجمعيات الثقافة والفنون في عقد المحاضرات والأمسيات، وأنشط ذلك الملاحق الثقافية في الصحف المحلية. القرشي الذي يشغل الآن درجة أستاذ دكتور بجامعة الطائف؛ سجل اسمه كأحد أبرز الأسماء النقدية في الساحة الثقافية، وقد صدر له من الكتب والدراسات والمقالات النقدية ما كان كفيلا بإثراء الساحة، وكان من أبرزها: "المبالغة في البلاغة العربية، أنت واللغة، طاقات الإبداع، الرؤية الإنسانية في حركة اللغة".
استطاع القرشي أن يحقق الكثير من الإنجازات بعد أن فضل الانشغال بالفعل الثقافي على العمل في المؤسسات الثقافية، وكان آخر ما حققه، فوز كتابه "تحولات الرواية في المملكة العربية السعودية" بجائزة وزارة الثقافة والإعلام في معرض الرياض الدولي للكتاب الأخير، وقد عرض الكتاب الذي صدر عن نادي الباحة الأدبي بالتعاون مع دار الانتشار، أنواع الأبنية في الرواية, وعالج جماليات هذا الفن السردي وتابع منجزه الإبداعي عبر اشتغالات على ظواهر جمالية في الرواية السعودية, وعبر دراسات نصية لنماذج من هذا المنجز.