لم يعد كثيرٌ من المسؤولين يواجه كاتباً "بالكليشة" المكرورة: "أنتم الصحفيين فالحين في النقد بس، ولا عندكم حلول"! لأن الردَّ سيكون لاذعاً فوق قدرتهم على "تمثيل" سعة الصدر، و"ادعاء" تقبل النقد، وهو ماقاله "الأخ/ أنا" لمسؤولٍ ردَّدها ساخراً في لقاء تلفزيوني شهير: "أعطني المنصب والصلاحيات فقط، وحلال عليك "الراتب"، و"البشت"، وبقية "البدلات"؛ لتسهل عليَّ الاستقالة إن لم أقدِّم الحلول"!!

ولقد قلنا في هذه الزاوية "مرارير" عديدة، بـ"مراراتٍ" مُفَرْتَكَةٍ، و"أمرارٍ" لا هوادة فيها: ليس من مهام الكاتب المحترف أن يقدم حلولاً للمشاكل؛ لأنه يسيء بذلك للمسؤول أولاً، وكأنه يقول: أنت لاتفهم عملك، ولا تعي الأمانة الملقاة على عاتقك! ويسيء للمتلقي ثانياً، وكأنه يتهمه بالكسل "العقلي"، والتواكل على "الطابع بأمر الله"؛ ليفكر ويقرر نيابة عنه، كذلك العاشق الولهان، الذي كثيراً ما استشهد الكتاب بأبياته: "سألتُ الله يجمعني بليلى * أليس الله يفعل مايشاءُ؟" ولا "تتواكلوا"، وأكملوا بقيتها.

نعم: الكاتب المحترف يمارس النقد للنقد، أي: إن النقد عنده غايةٌ بذاته، لا وسيلة لغاية! وينتهي دوره بأن "يعطس" في وجه المسؤول والمتلقي معاً ـ يهديكنكم الله ويصلح بالكنكم ـ ويمضي لايلوي على شيء سوى تحقيق شرط الفلسفة "العملية" الأول والأخير و"النص نص"، ألا وهو: التفنن في تفتيق الأسئلة، لا البحث عن إجاباتٍ، مهما بلغت من الدقة والوجاهة، فإنها تظل "نسبية" متغيرة!

وإذا كان لجوء المسؤول لترديد "الكليشة" إياها مصيبة، فإن تسربها إلى عقل القارئ ـ صانع الرسالة الحقيقي والكاتب الفعلي ـ أدهى وأمر "مراريرَ، ومراراتٍ، وأمراراً"! فالمسؤول يرددها وهو يعرف، أنك تعرف، أنه يعرف أنها "كلمة حق يراد بها باطل"! أما حين يرددها "المتلقي" فهذا مؤشر خطير على أن عقلنا الجمعي ليس كسولاً، كعاشق "ليلى"، ولا نائماً، كأصحاب الكهف والرقيم، بل هو "مُتَنَيوِمٌ/ مُتَنَيئِمٌ" أزعجه أن تتساءل ـ مثلاً ـ في مقالة الثلاثاء: "هل التعليم لدينا بحاجة إلى "تطوير" ـ وماتحتها من خطوط وسكك وموانئ ـ أم إلى "تغيير" من "لغاليغه"؟ ولن تجد طرحاً للحلول أوضح من هذا، ولكن من استمرأ "التنيؤم" يقض مضجعه "المصطنع" أي سؤال، ويريد ـ عشان يحبَّك ـ أن تقول له مباشرة، مع ماشئت من "نحنحةٍ"، و"حقحقةٍ"، و"وقعنةٍ"، و"طبعنةٍ": "إن التعليم لدينا بلغ مرحلة لاتجدي فيها أية محاولةٍ للتطوير، فلا بد ـ في نظري الثاقب "خان" شخصياً متشخصناً ـ من تغيير سياسة التخطيط، وإجراءات التنفيذ جذرياً"! وسيحبك أكثر لو صغتها بين "هُناكين"! بطريقة الدكتور/ "سلمان العودة": "هناك من يرى أن التعليم بحاجة إلى تطوير، وله وجاهته، ونحن نحترم صدقه وإخلاصه، وهناك من يرى أنه لابد من سرعة التغيير في كثيرٍ من جوانبه، وله وجاهته، ونحن نحترم غيرته وحماسه وفتحه أيضا"!!