الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن لم يكن متطرفا في شبابه، فهو مشروع نسخة متطرفة موازية لأتاتورك بعد أن مضى بقطاره السياسي إلى محطة الرئاسة واشتعل رأسه شيبا، وهو يبدو مزهوا بانتصارات حزب العدالة البرلمانية وفي الانتخابات الرئاسية، وذلك يجعله أيضا مشروعا مستبدا قادما في تركيا، خاصة أن ميوله الإسلامية ستجعله يفكر بذات النمط الذي يستقوى بالسلطة على حساب غيره من معارضين أو مستقلين.

لا نحتاج كثير وقت لاستشفاف السلوك الاستبدادي في ممارسة الرجل لأدواره الداخلية والإقليمية، وهو إن كان قد نجح اقتصاديا؛ إلا أن ذلك لا يجعل منه نسخة تاريخية للأتراك تعادل دور مصطفى أتاتورك في بناء تركيا المعاصرة، وعليه فإن طبيعة الإسلاميين حين يصلون للسلطة فإنهم يفتحون الخيال بما يفوق متطلبات الواقع ويتحولون إلى استحواذيين يضخمون الصورة الدينية بأكثر من مراعاة الواقع ومتغيراته.

نجاح إردوغان الاقتصادي ظرفي قابل للانتكاس، ولذلك فليتريث قليلا على العالم في النفخ السياسي والحضور الكارزمي، الذي يتزعم فيه صورة وهمية لأمة كبيرة يقودها، فالصورة ليست كما يتوهمها، وتجارب الإسلاميين في الحكم لا تقل مأساوية عن النازية والفاشية، لأنهم في خاتمة المطاف يتعاملون مع السياسة من منطلقات نظرية وتفتقد التطبيق الحقيقي والواقعي، وهم كحال الذي يتعلم الطيران بكتاب إرشاد يبدأ بالإقلاع ثم يجدون الهبوط في الحلقة القادمة للكتاب والتي لم تصدر بعد.

إردوغان عمد إلى تغيير النظام السياسي لتركيا بصورة لا تخلو من تخبط وارتباك، بدأ ذلك من القفز على النظام البرلماني ثم شبه الرئاسي وانتهاء بالدستور الذي أعمل فيه تغييرا جعله مستبدا، حتى لو تغير أو انتهت ولايته بحسب الفترة المقررة دستوريا؛ لأنه سيحرك أشباحا كالدمى من خلف ستارة المهرج يديرون الدولة وفقا لمرئياته، ولذلك تبدو الصورة الديموقراطية لتركيا زائفة وغير حقيقية.

ومن خلال حشر الإسلاميين لنفسهم في كثير من القضايا التي لا يملكون لها أفقا أو برامج سياسية واضحة ومقنعة؛ يسير إردوغان على الخط ذاته، وحين نتابع مساره في الأمم المتحدة نجده يهمز ويلمز، ويسرف في إبداء النصح لآخرين وكأنه زعيم دولي أو رئيس دولة عظمى لا تتحرج عن الحديث عن غيرها وإبداء مساوئهم وأخطائهم السياسية، وهو يظل غير جدير بذلك لأنه لم يقدم نفسه كسياسي موضوعي مطلوب منه أن ينكفئ على بلاده ويحقق فيه العدالة والديموقراطية وفقا للشروط السياسية والاجتماعية والأممية لذلك.

ليس بالضرورة أن نستعرض تحرشاته السياسية بنظام الحكم في مصر وتكرار حديثه عن الانقلاب، فتلك سفسطة معهودة بالإسلاميين ومحاباتهم لبعضهم، لأنهم يعيشون في عالمهم وليس العالم الحقيقي الذي يرفض فيه استبدادهم وأخطاءهم الكارثية بحق مجتمعاتهم المسلمة والمؤمنة أصلا، والتي ليست بحاجة لدروس دينية أو سياسية من منظرين فاشلين وغير مستقرين نفسيا ودينيا وسياسيا، لأنهم أوصلوا فكرة الحكم في الإسلام إلى معادلة استبدادية لا تقل خطورة عن سلوك المتطرفين.

لا أعتقد أن الأتراك سيهنؤون كثيرا بحكم الإسلاميين لبلادهم، والطفرة الاقتصادية الحالية سيجعلونها بسبب سياساتهم نقمة عليهم، لأنهم حتما سيحتاجون إلى مزيد من الجرعات الدكتاتورية للمحافظة على حكمهم وحينها يبدؤون السير في منحنى بياني هابط ينتهي بالدولة إلى فساد وانهيارات في بنية أنظمتها السياسية والاجتماعية، لأنهم لا يمكن أن يبدؤوا أمرا وينهونه بطريقة سليمة تحافظ على الأوطان وليس الكراسي التي هي غايتهم.

وفي تقديري أن من الحكمة عدم مجاراة إردوغان وكل قبيل الإسلاميين الذين يتصدرون الممارسة السياسية، لأنهم ينتهون إلى فكرة ليس لها امتداد في نظام الحكم الإسلامي وإنما في مخيلتهم، وذلك يفسر الفراغ في جميع أشكال الممارسة الإسلامية وتجاربها في العصر الحديث، لم تستمر مطلقا أو تحقق نتائجها الإيجابية التي تواكب أشواق الجماهير وتحقق لها مطلوباتها في العدالة والحرية والتنمية المستدامة.