أتذكر دهشتي أثناء دراستي للصيدلة قبل سنوات طويلة، حين كان أساتذتي الكرام يستشهدون بمواقف علماء وباحثين وهبوا أنفسهم للعلم، وخاطروا بحياتهم أو حياة أحبائهم فقط في سبيل تقدم البشرية! كما فعل العالم الإنجليزي "أدوار جينز"، الذي جرب لقاح الجدري على فلذة كبده!
بالطبع كان الاستشهاد يأتي في إطار تحفيزنا نحو بذل مزيد من الجهد والاهتمام، حتى لو استلزم الأمر أن نضحي بما نحب، ولكن يبدو أن أحد العلماء الشباب في وقتنا الحاضر قد أخذته الحماسة لشيء أوسع من ذلك، فها هو طالب الدكتوراه "مايكل سميث" في جامعة "كورنيل"؛ يهب جسمه لتقدم العلم كما يقول! وذلك عبر تلقي خمس لسعات من النحل يوميا، والهدف من ذلك هو دراسة وتحديد أكثر مناطق الجسم تألما من لسعات النحل!
أمرٌ غريب وهمّة أغرب، ولكن صاحبنا يقول: "إنه لم يجد أفضل وأكثر دقة من نفسه"، بحيث يستطيع تحديد أكثر المناطق إيلاماً في الجسم من لسعات النحلة، وقد خرج صاحبنا بعد لسعات متعددة وفي أماكن لا تخطر بالبال بقائمة طويلة؛ تبدأ أشدها إيلاما في "المنخر"، ثم "الشفة العلوية"، وتتناقص حتى تصل طرف الأصبع الوسطى، والأقل إيلاما: البطن!
والحقيقة أنني لا أدعو هنا علماءنا الشباب لاستلهام نموذج "مايكل"، لا من ناحية موضوع بحثه أو أسلوب تجربته، ولكنني أطمح أن تعود همتنا في البحث العلمي لما كان عليه علماؤنا المسلمون الأوائل، ممن ابتدعوا "المنهج التجريبي" في العلوم، ومنه أطلقوا إبداعاتهم وابتكارتهم التي بقيت بعدهم لقرون عديدة، وأضحت هي الأساس العلمي لكثير من المخترعات الحالية.
أصدقائي.. نحن - فقط - بحاجة لحمل همّ "العلم" بشكل أكبر، وأن يكون علماؤنا الشباب مستعدين للتضحية بالغالي والثمين فقط لصالح "العلم"، فهل نحن فاعلون؟