مع تباشير صباح هذا السبت العاشر من ذي الحجة لهذا العام تبدأ الساعات الأولى لعيد الأضحى المبارك أو يوم النحر، الذي يحتفل فيه المسلمون بعد انتهاء الحجاج من الوقوف بعرفة، الموقف الأكبر والأعظم الذي يعتبر الركن الأساسي للحج (الحج عرفة) كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم، وتبدأ بعدها أيام التشريق التي بنهايتها تنتهي أعمال حجاج بيت الله المبارك الذين اجتمعوا في هذا الموقف الديني المهيب ككل عام في هذه المساحة الصغيرة إحياءً للشعيرة الإسلامية العظمى.

ورغم كل تلك المآسي التي تحيط بعالمنا العربي الغارق في الدماء والقتال والحروب بأيدي بعضهم البعض وبمعتقدات ومسميات رعتها وربتها عقول جُبلت على الإقصاء والعنف والإرهاب وزعم أنها الناجية بين الخلق كلهم؛ يأتي عيد الأضحى وقبله عيد الفطر لتوحيد المسلمين في إحياء شعائر دينية متعلقة بهما، ويحرض هذا العيد على استنبات الفرح وأسبابه في قاع القلوب والأرواح التي قستها الأوضاع المحيطة.

أخبار الدمار والاقتتال بين فئتين تدعي كل منهما أنها هي من تمثل الإسلام الحق، وصور الجثث الممزقة والمحترقة والحضارات المدمرة بيد أبنائها وقد سادت طويلا؛ سلبت الفرح من قلوب الكثير، وبتنا نتوقع الأسوأ دائما، خاصة في ظل سيطرة الفكر المتشدد والتغذية الدينية المتطرفة التي تمد هذا الإرهاب بوقود الفتنة وتغذيه وتنميه وتخلق له رؤوساً جديدة كلما قطع أحدها خرج آخر جديد ينهش في جسد الأمة الإسلامية وفي قلوبنا.

ثقافة الفرح غابت عن مدارات أيامنا، ليس فقط بفعل هذا المنعطف السياسي الذي تمر به دول المنطقة من ثورات تبحث عن ربيع يشرق في بلدانها، أو بسبب "شبح" تنظيمات إسلاموية متطرفة تهدد السلم الدولي عامة والعربي خاصة، بل لأن الفرح وثقافته منذ سنوات طويلة وبعيدة غُيّبا عمدًا وعن سبق إصرار و"تدين" في سير حياتنا العادية واليومية ببساطتها وبدائيتها. أصبحت بعض الأمور التي تخلق السعادة والفرح في قلوبنا كالضحك والتجمّل والتصفيق والغناء، والاحتفال بتفاصيل صغيرة في مسار حياتنا كالميلاد ويوم الأم والحب والصداقة والوطن وغيرها محاربة ومحرمة وتُجيّش لها الأصوات على المنابر تتوعد بالويل والثبور والهلاك. بينما نسمع ونرى الترحيب والتأييد والحض على قطع الرؤوس وتفجير الأجساد المفخخة للمخالفين لفئة ترى أنها الحق، ورمي الآخرين بالظن والتهم الجاهزة وتقسيم الناس وتحزيبهم واستحقارهم هو السائد والمتاح والمشاهد والمؤيد من رموز وضعت في صدارة الساحة الدينية والاجتماعية. فصار الفرح غريبًا في صدورنا يتيمًا في قلوب أغلب المسلمين ومشردا ما إن ينهض على قدميه داخل قلب أحدهم حتى ينهره خطاب ديني ما ويحجّمه وربما يلغيه تحت قائمة من الأسباب، حتى غاب تماما أو أصبح مفتعلا قاتم اللون غير مستساغ النكهة، وربما بقي المتشبثون بالحياة وبه يتعاطونه سرا وخفية وكأنه غريب على فطرة الإنسان السوية وعلى تعاليم دين الإنسانية.

نعلم أن الحياة تبدو آسنة كبركة قديمة والفرح مجتث من تفاصيلها، ولو تأملنا قليلا لوجدنا أن الحجر الذي يحرك هذا الركود ويستفز دوائر الحياة للتصاعد أكثر والتراقص جذلا أمام أشعة الشمس وضوء القمر بأيدينا جميعنا، وعلينا أن نملك الجرأة فقط أن نلقيها على وجه هذه البركة. لسنا بحاجة معجزات ولا أن يقود خُطانا أحدهم لنستدل السبيل إلى ما يجلب السعادة والفرح لأيامنا، فجميعها أسباب بسيطة ميسرة وتحيط بنا. هذا الحجر السحري هو حب الحياة والإقبال عليها بشغف المكتشف لنعمتها أول مرة كل مرة، أن نُحيي الفكر والفن بكافة مقوماته ومسمياته وأنواعه، نزرعه مُجددا في جدب أرواحنا أولا ثم في حياتنا اليومية المعاشة، وأن نقاوم محاربته وإقصاءه ونؤمن أنه هو الباب نحو الفرح أولا، ثم نحو الحضارة المسلوبة من أمتنا الإسلامية التي نهضت في عصورها الذهبية حينما أعطت كل فن وعلم حقه حتى جاوزت الأمم الأخرى.

باستعادة هذه الحضارة أو بعضها ستعود الحياة إلى طبيعتها التي فطر الله الناس عليها، سنضحك دون قلق ونغني دون خوف ونبادر بمصافحة الأفراح بإقبال المبتهج بحياة قلبه وسلامته. هذه الفطرة السليمة سُتعيد بالتالي للمرأة دورها المستلب في حياتنا، وستشعر أنها كما خلقها خالقها كاملة الأهلية لتمارس الحياة دون الشعور باضطهاد الإقصاء ودونية التفرقة بينها وبين شريكها في الحياة.

الحياة أقصر من ذراعين وابتسامة، والإسلام دين السلام والإنسانية. وإن كان لنا عيدان فقط في العام فهذا لا يعني أن نقصر الفرح عليهما فقط، بل هما فرحنا الأكبر الذي تدور حوله سعادة أيامنا اليومية. ولنجعل هذا العيد انطلاقا جديدا للفرح وإحيائه بالتصالح مع أنفسنا قبل كل شيء ومحبتها وتقبلها والإيمان بقدراتنا واختلافنا، كل هذا سيخلق الرضا الذي يؤدي إلى السكينة والفرح. ولنحتضن من حولنا مَن نحب قبل أن تخطفهم الأقدار من أيامنا ونفتش عنهم ولا نجدهم.. نحتضنهم بالحب والمباهج. ولنجدد يقيننا أن الإسلام هو منصة الانطلاق لعوالم السعادة الأبدية في الدنيا والآخرة متى ما كان تديننا سلما وحبا وفرحا.

أعيادكم مباركة، وأيامكم يملؤها الفرح والحب.