تحفل مراسم استعداد أي حاج مسلم قبل قدومه بطقوس عالمية إسلامية، لا تعكسها الفنون البصرية، حتى "الصورة الفوتوجرافية" تحمل الحد الأدنى من التوثيق، وتحول دون لمس صدق المشاعر المختلجة وتترجمها قراءة لغة الجسد المؤدية إلى التفاعل البصري، ومن عيوبها غياب الصوت، والأفلام الوثائقية مقتضبة.

لا بد من تعددية طرح تجربة الحجاج وإبراز حالة امتزاج تقاليد المسلمين المستلهمة من عباداتهم قبل التجربة المباشرة ونراها بتحقيق الغاية والوصول إلى الحرمين الشريفين، هناك خلفيات لاستعدادهم لا تلتقطها العدسات لتقدمها بقوالب مختلفة تحاكي الثقافة البصرية العالمية في زمن عولمة الفنون البصرية، وبفئاتها، كي تلعب دورا في التبادل الحضاري ونقل الحضارات، وترسيخ الانطباعات الإيجابية.

استشهدت بنموذج حجاج من "سنغافورة وماليزيا" في مقالة أمس وحاج واحد يتحول إلى قدوة بعد عودته، قادر على التأثير في المئات ونقل صورة العرب من خدام البيتين والقبلة، تقدم طقوس ماليزية في وداعية الحاج بمأدبة واجتماع مئات الأقارب لتقديم التحية والدعاء الجماعي له، وتكريمه لتجاوزه التحديات ووقوفه على مشارف تحقيق حلمه.. مع الاجتهاد قبل القدوم بمحاكاة تجربة الحج مسبقا بالتدرب عليها.

بتكبير المشهد سنجد في كل دولة وتنوع حجاج مدنها قيمة مضافة للمحصلة النهائية التي ترسم صورة المسلمين، ولا نشهد على عكسها بصريا بما يقدمها على حقيقتها، لتحمل روح الحج الإيجابية، وهيبة الإقبال على تجربة مكللة بشرف الزمان والمكان ختامها بحصاد منافع الحج الروحية. الوثائقيات التي شاهدتها تهز المتابع: دموع حارقة وصادقة تبكي غربة الإسلام والبعد عن الكعبة والشوق للطواف واستحضار مكابدة الرسول عليه الصلاة والسلام والمجتمع المسلم آنذاك.. وبحث الحاج عن المسلم الأفضل في داخله، وجميعهم يؤكدون "الحج غيرنا للأبد".

يشهد واقعنا المعاصر غياب انعدام لتحمل المسؤولية المشتركة. هناك "نخب ومؤسسات فكرية وثقافية" في المجتمعات العربية والإسلامية كشفت أحداث منطقتنا الجسام هشاشتها وسلبية تعاملها مع ما يضرب عالمنا العربي والإسلامي.. فشل النخب والمؤسسات في تقديم مشروع حضاري ثقافي في زمن الثقافة البصرية لدحض اتهاماتنا بتصدير التطرف والإرهاب والعنف، رغم كونه ظاهرة عالمية تورطت في صناعته دول ومنظمات مستفيدة ومافيا عالمية، ولم يواجه برد ومبادرات من هذه النخب والمؤسسات.

إن بعدا واحدا من أبعاد الحج بترجمته بصريا "لأفلام قصيرة في مسابقة سينمائية" قادر على قلب الانطباعات لو تم سنوياً توظيفه بالصورة الأمثل، وبإيجابية، ليقدم لنا تجربة تراكمية تسهم في توازن الصورة بدلا من تركها بين التشويه والفراغ البصري..أو التغطية بتقارير تقليدية.