لا تستطيع أن تتجاهل ذلك المسجد الصغير الذي ينزوي في أحد أزقة المنطقة التاريخية بجدة، والذي لا تفصله سوى أمتار قليلة عن الجامع العتيق "المعمار"، إنه مسجد سيدنا عثمان بن عفان، الذي لا يزال يختزن ذاكرة مساجد المنطقة في بطون كتب التاريخ.

واختلف المؤرخون حول تاريخ بنائه، إلا أن معظمهم أجمع على أنه شيد خلال القرنين التاسع والعاشر الهجريين، وأن الرحالتين ابن بطوطة وابن جبير ذكروه في كتب رحلاتهم.

رغم اختلاف تلك المرويات وصحتها من عدمها يظل هذا المسجد الصغير الذي يحمل اسما آخر إلى مسماه وهو مسجد "الأبنوس"، وتوجد به ساريتان من خشب الأبنوس، ومئذنة ضخمة.

أشهر من عقب على حالته التاريخية وبشكل دقيق قبل أكثر من عام ونيف هو الباحث في تاريخ جدة الدكتور عدنان اليافي في إحدى الأمسيات الرمضانية بنادي جدة الأدبي الثقافي، حينما أشار إلى أن مسجد "الأبنوس"، يعد أقدم مساجد مدينة جدة، وأن منارته تعد أقدم أثر في المحافظة، ويعود تاريخها إلى أكثر من 900 عام تقريباً.

لكن ثلة من الباحثين ذهبوا إلى أن المسجد هو أول مسجد أقيم على حاضرة جدة، وكان شمال فرضة سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه، التي حددتها الدولة الفاطمية في القرن الرابع الهجري، وقد جدد المسجد في القرن العاشر الهجري.

وبعيداً عن زخم الاختلافات التاريخية وأبعادها، ما زال الناس يسألون عن مكان المسجد، فدائماً ما ترد للجنة الإرشاد السياحي هذه الأيام خلال فعاليات "رمضاننا كدا"، استفسارات عن موقع المسجد، والمدهش أن أغلب تلك الأسئلة تأتي من الجيل الجديد، الذي يرغب في زيارة المسجد وتصوير ساريتيه التاريخيتين.

الشاب أحمد مزهري كان من بين الشباب الذين رصدتهم "الوطن"، إلا أنه أثار أمراً ملحاً، هو مدى الصيانة المتردية، فكتب في صفحته على الفيسبوك العنوان التالي: "مسجد عثمان جوهرة مساجد التاريخية .. بلا صيانة".

هذا التردي في الصيانة انعكس على قيم المسجد ومؤذنه العم حسن الأهدل الذي بلغ من العمر عتيّا، وهو لا يكاد يعرف بالتحديد السنوات الطوال التي قضاها في خدمة المسجد، إلا أن خطوط الزمن التي ارتسمت على جبينه، وعكازه الشهير الذي يتكئ عليه، تكشف تاريخ خدمته الطويلة بين جدران المسجد، الذي يلازمه في صحوه ونومه.

يتحدث العم حسن لـ"الوطن"، بلغة الأسى عن ضعف الصيانة، والإهمال من قبل الجهات المعنية، ويقول: حتى العامل الآسيوي الذي كلف بنظافة المسجد لم يعد يأتي منذ طويل، ولم يبق إلا أهل الخير من جيران المسجد وأصحاب المحال الذين يوفرون على نفقتهم الخاصة المستلزمات وتنظيف مسجدهم العتيق.