في الفلسفات الآسيوية يبدو الموت خيارا مفضلا لاستكمال قيم إنسانية أو للتعبير عن تواضع أخلاقي مهين، يجد فيه الذي يتجه إلى الموت راحة، فيما يترك لمن وراءه أثرا لحجم الخطأ أو لمحاولة تطهير النفس من سوء فعلته، أي لا يمكن أن يموت دون مسوغات منطقية هادفة، وذلك يعني أن للموت ثمنا مهما وعميقا وقيمة لا تهدر مجانا وفيما لا طائل من ورائه.

نحن نفعل العكس، يموت شبابنا مجانا ويرخصون أرواحهم لأجل قناعات وعقائد مضللة وغير مفيدة على أي صعيد، وذلك ما يفعله الانتحاريون الذين يفجرون أنفسهم هنا وهناك ويأخذون معهم عشرات الأبرياء، لا يفرقون إن كانوا أطفالا أو شيوخا أو نساء، أي أن الميت قاتل ومقتول دون أن يخلف وراءه أي قيمة أو معنى إيجابيا.

حين ابتكر اليابانيون فكرة "الكاميكاز" أو الطيارين الانتحاريين، إنما كان ذلك من أجل قضية عادلة يقاتلون ويموتون من أجلها، وقد قدموا للبشرية درسا في الفداء والتضحية بالروح من أجل وطنهم وشعبهم، وعلى ذلك كان لموتهم ثمن وقيمة ومعنى.

انتحاريو الجماعات المتطرفة لا يموتون دون ضجيج وقتل للأبرياء، وهم مضللون في فكرتهم الدينية التي تجعلهم يقتلون الناس ليذهبوا إلى الجحيم، فيما يحسبون أنهم -هم- سيذهبون إلى الحور العين اللاتي ينتظرنهم على أحر من الجمر، وذلك ينطوي على التباس عقدي وفكري لأن قتل الأبرياء وإزهاق الأرواح يتطلب حسابا قبل أن يكافؤوا بما يتوهمون.

تسطيح الفكر الديني على هذا النحو جعل الانتحاريين مشروعات كارثية لهدم الدين وسماحته في النفوس ولدى الآخرين، فليست كل الدنيا والدين تتمحور حول الحور العين، ذلك تركيز جنسي سطحي لا يشبع فكرة الموت بما تستحقه ويليق بها، من أجل قضايا تخدم دينا أو شعبا دون أن يكون الثمن مرتبطا بقتل أرواح وتهديد سلامها وأمنها.. فأصبح الموت عبثيا وخيارا خاطئا بلا قيمة أو ثمن حقيقي.