يقول المفكر والعالم الاجتماعي العراقي الدكتور علي الوردي في كتابه الأحلام بين العلم والعقيدة: "سأصارح القارئ بقول قد لا يرتضيه مني، وهو أني كنت في العهد البائد أخشى من غضب الحكام، وقد أصبحت في العهد الجديد أخشى من غضب "الغوغاء"، وأرجو من القارئ ألا يسيء فهم قولي هذا، فالغوغاء ظاهرة اجتماعية موجودة في كل مجتمع، وكلما اشتد الجهل في بلد ازداد خطر الغوغاء فيه".

ولم يكن الوردي وحده من حذر من خطر الغوغاء فقد سبقه مفكرون وعلماء وباحثون، ولعلنا هنا لا نتجاوز قول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عن الغوغاء: "إنهم همج رعاع ينعقون مع كل ناعق ويميلون مع كل ريح، إنهم الذين إذا اجتمعوا ضروا وإذا تفرقوا نفعوا".

سعوديا لم نعرف هذا المصطلح رغم أن القبيلة والتعنصر للمدينة والمنطقة حاضران منذ أمد بعيد، كان أهل هذه البلاد متسامحين متماسكين حتى هبت رياحها مع جهيمان وزمرته، لترتفع أعناق تثير الغبار وتجر معها من الناعقين الغوغائيين ما الله عالم به، لتعود لنا بثقافة وفكر جديدين علكتهما أفغانستان علكا حتى بانت سؤتهما.. يقابلهما ما جره التطرف الليبرالي الذي حضر مع المتعالمين من بلاد الغرب وأصبحنا لا ننفك من أصحابه حين كل تجمع أو احتفال أو مناسبة وفرح، ورغم ذلك إلا أن المجتمع ما برح يجابه الغوغاء، بالمناصحة والتسامح لعل وعسى.

اليوم الغوغاء تنتقل من رأي لآخر في "تويتر" معهم أو ضدهم، لا تحسب حساب الواقع ولا المستقبل. سلمت أمرها لمثيري فتن عنوانهم الضغينة، يحركونهم بتغريدة واحدة، قفزوا من المطالبة بحقوق دينية أو مجتمعية وحتى وظيفية مالية إلى تأجيج الفتن وإحياء التنافر بين أفراد المجتمع الواحد، ولفرط الاندفاع الغوغائي التويتري بات الأمر أشبه بالبطولة لمحركيهم ليكشفوا عن وجوههم القبيحة ظاهرة عيانا بيانا دون مساحيق التملق والتقية التي كانوا عليها قبل "تويتر".

اندفع الغوغاء خلفهم وهم يعتقدون أنهم يعالجون خللا، فتورطوا بانقسامات مجتمعية ومنكرات أشد وأفنع، ليظهر مفهوم صراخ الغوغاء وبما أوجد من فوضى عارمة من فرط العدوانية والدعوة للتباغض. كل يجمل خطابه برفض الآخر سواء كان تيارات متنافرة أو مناهضين وحكوميين، والمؤلم أن كلا يعرض معلومات ومطالبات لا تجد في كثير منها ما يشير إلى صحتها وصدقها، هي مجرد تخمينات أو انطباعات والأكثر ما تلقوه عبر "تويتر" ممن يرون فيهم أنهم قادة فكرهم من تحريض وتأليب على من يخالفهم تحقيقا لمصالحهم الشخصية، ليستخدموا الغوغائيين للضغط على الآخر وعلى البلد وعلى كل من يتجرأ ليقول لهم أخطأتم، وبالتالي ليظل الفكر الغوغائي هو المسيطر تويتريا.

كنا نتمنى مع اتساع ظاهرة الغوغاء في "تويتر" أن ينبري للأمر من عرفناهم قبله أصحاب تأثير وفكر تسامحي نخبوي يفيد ولا يضر، وأن يعملوا على تضييق رقعة الغوغاء وتهذيبها، لكن كثيرا منهم أثر السلامة، وبعضا آخر اندفع مع الموجة بعدما وجد فيها انتشارا وشهرة أكبر وأكثر مما عرفه من قبل.

أختم بالدعوة بالرحمة للدكتور أحمد الربعي الذي وصف الغوغاء بـ"دكتاتورية الأكثرية التي وقودها العاطفة وعدوها العقل".