بقدر ما يكون الانتقاد واجبا لأداء بعض الفضائيات العربية المحكومة بأجندة سياسية وأيديولوجية أو "ابتزازية" واضحة للجميع، يجب أن يشاد بالعمل الاحترافي الجيد . وفي هذا الإطار شدني تقرير بثته قناة"الجزيرة" أمس ضمن برنامج "زمام المبادرة"، حيث رصد هذا التقرير جانبا من حياة معلم أردني متطوع على نمط "الكتاتيب"، تخرج على يديه عشرات من أبناء البادية، الذين يجمعهم تحت خيمة صغيرة لا تقي حرا ولا بردا ، ثم يقوم بتعليمهم القراءة والكتابة تمهيدا لإلحاقهم بالصفوف الدراسية التي يدرس فيها أقرانهم. ففي اعتقادي أن رصد مثل تلك النماذج المهمشة إعلاميا لأنها لا تملك مالا أو هدايا مغلفة بدرع تكريم يحتوي بداخله مئات الدولارات.! . من أوجب واجبات الإعلام بكافة أشكاله.


فإعلامنا الفضائي والمقروء والمسموع منشغل بأصحاب "الجاهات" وأرباب الإعلانات، الذين يصطحبون معهم جيشا إعلاميا جرارا عند "تفضلهم" بالمساهمة في عمل تطوعي أو تبني مشروع إنساني .


وأتذكر هنا أحد رجال الأعمال الكبار في المملكة، الذي "يمسح" بالمركز الإعلامي التابع لشركاته الأرض ، عندما لا تنشر صحيفة واحدة ـ من بين عشرات نشرت ـ خبر "تبرعه السخي" لمشروع خيري في بقعة ما من العالم قد لا يجد هذا المركز الإعلامي أثرا لها على الخريطة، مع أننا نجد في كثير من دول العالم ، أن من السبق الصحفي الذي يحسب عملا إبداعيا متميزا، نشر صورة خاصة جدا لأحد مشاهير الفن أو الأدب أو السياسة أو الاقتصاد وهو يجوب غابات إفريقيا ، بحثا عن الجائعين واليتامى وأرامل الحروب لكي يقدم لهم المساعدة ، ففي الغالب أن زيارات مثل هذه تعتبر من الأمور الشخصية التي لا يحرص هؤلاء المشاهير على اصطحاب الصحفيين إليها.





ولكن في حالتنا مع الأسف، نرى أن إعلام الفضاء والأرض أصبح يلهث وراء أصحاب الجيوب المنتفخة، وتذاكر الطيران والأجنحة الفندقية الراقية، التي يوفرها بعض رجال "الفلاشات" الذين لا ينقصهم سوى احتلال كل مساحات الإعلام ، حتى وإن كان ذلك على حساب من تعبوا وضحوا لأجل تطوير مجتمعاتهم، وبالتالي أضاع هذا الإعلام البوصلة التي توصله للنماذج الإنسانية التي تحترق بشموس الصحاري ، ويفترسها الجوع قبل وحوش البراري.