حسب علمي -وأرجو ألا أكون مخطئاً- أن تسمية الهجر -ومفردها هجرة- جاءت بعد تأسيس الدولة الحديثة حينما قام الكثير من البدو الرحل بهجرة الصحراء والاستقرار في تجمعات بشرية محددة ومحدودة، وفرتها لهم الحكومة، التي قامت بتوطينهم فيها طوعاً.. لكن لا يوجد الآن في التنظيم الإداري ما يسمى "هجرة"، بل لا يوجد اسم "قرية"، جميعها تحولت حسب الأنظمة إلى مراكز.. بالمناسبة -وهذا خارج النص- ليت مسؤولي وزارة الشؤون البلدية والقروية يفكرون جدياً بتغيير اسم الوزارة؛ لم يعد هناك في القاموس الإداري مسمى "قرية".. ولا "مجمع قروي"!

- الذي أود قوله اليوم إن أهم خطوة في هذا الشأن قامت بها الدولة منذ قرارها التنموي ذاك، هو إنشاء بلديات المراكز..

كانت بعض المراكز حتى وقت قريب "قرى أشباح".. لا يمكن لك أن تتوقف فيها ليس خوفاً بقدر وحشة المكان والظلام الدامس الذي يحيط به.. مجرد أن تدخلها -وقلت هذا سابقاً- يصادفك دوار متهالك يضم مجموعة "قراشيع" -دلة وإبريق أحمر وصحن مفاطيح- وفي الجانب الآخر جذع شجرة يابسة، وبقالة بداخلها عامل يضحك دون سبب.. ومخبز مغلق، ومطعم يبيع لحوماً فاسدة، ومحطة بنزين متهالكة يقف جوارها رجل طاعن في السن ينظر إليك ويغمز بعينه.. وبنشر مفتوح لكن لا أحد بداخله.. ومجموعة كلاب هزيلة تنبح جوار المطعم!

- هذا قبل سنوات ليست بعيدة.. اليوم ونحن على مشارف 2015 تحولت كثير منها إلى لوحات فنية جميلة للغاية.. تحولت القرية لؤلؤة وسط الصحراء..

كنا نمر "بعض" تلك القرى مسرعين في زمنٍ مضى، كأنها دار معذبين، اليوم نتوقف فيها.. ونأنس بالمرور فيها، وليس الأمر مقتصراً على الناحية الجمالية، تجاوزه نحو الخدمة المقدمة للمواطن وتوفير الوظائف وإن كانت محدودة..

- الذي أرجوه فعلاً -وهو خلاصة المقال- زيادة الدعم المقدم لهذه البلديات الناشئة، مادياً وبشرياً؛ تطوير المراكز يدفع بشكل غير مباشر على توطين الناس، ودفع عجلة التنمية، ويعكس الهجرة من المراكز إليها!