منذ عقود وحتى الآن، ما زال التمر يتسيد المائدة الرمضانية، فقد أوصى به سيد الأنام - صلى الله عليه وسلم - وجاءت قيمته ورمزيته الدينية لتنغمس في روحانيات شهر رمضان؛ مما جعله طعاما حاضرا وبكثافة في السفرة الرمضانية عند كل المسلمين. وقد جعل الدين الإسلامي للتمر قيمة واعتبارا مضاعفا، فمع فوائده الغذائية والصحية، تأتي نفحات "البركة" التي عززتها الأحاديث النبوية في الاستشفاء والتداوي والوقاية من الأمراض، لتكون تلك "الثمرة" من الثمرات التي يحرص كل صائم على تناولها في فطوره.
"التمر" فاكهة الغني والفقير، وفاكهة الصيف والشتاء، له حضوره وقيمته في المجتمع السعودي والخليجي والإسلامي بوجه عام، لما تختزله النخلة من موروثات ومسلمات دينية وثقافية، جعلت من استزراعها، والعناية بها رمزا من رموز الهوية، وقيمة اعتبارية تجذر الفرد في مجتمعه، وتربطه بأرضه وموضعه.
ومع هذا التوجه العام الذي تتلقاه النخلة وثمرها، تطفو على السطح حالة من الإقبال الكبير على الشراء والاقتناء للتمر بأنواعه، لتفرز عددا من المعوقات والإشكالات التي تتكرس خلال هذه الفترة، من غلاء في السعر، أو شح في العرض.
وتمثل منطقة القصيم أحد أهم المواقع الزراعية على مستوى العالم في إنتاج التمور وتصديرها، والعناية بها مما يجعلها مسرحاً مفتوحاً لكثير من تلك الشواهد، فمحال التمور بمدينة بريدة تشهد إقبالاً كبيراً في البيع والشراء والتصدير أثناء شهر رمضان المبارك وقُبيل دخوله، حيث لا يزال التمر هو القاسم المشترك بين كافة الموائد الرمضانية في جميع أقطار العالم، فلا تكاد تخلو وجبة إفطار منه، منذ شرع الله - سبحانه وتعالى - الصوم، وقد يكون حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمرٍ فإنه بركة) هو الدافع الرئيس لتفضيل هذه الثمرة المباركة التي عرفها الإنسان قبل آلاف السنين، إضافة إلى قيمته الغذائية المتمثلة في عناصر يحتاجها الجسم البشري كالمعادن والفيتامينات والألياف.
من هذا المنطلق، جعل المزارعون وتجار التمور من رمضان هدفاً لتسويق منتجاتهم، حيث يشير المزارع علي البريدي إلى أن تزامن موسم "الصرام" مع دخول شهر رمضان المبارك، كما حصل في الموسم الماضي 1434، يضاعف من الإقبال ويرفع نسب المبيعات، مضيفاً أن التمر بات غذاء للفقير والغني وللمواطن والوافد. وقال البريدي إنه تلقى هذا العام اتصالات من خارج منطقة القصيم تطلب تأمين كميات ضخمة من التمور المكنوزة منذ الموسم الماضي لتلبية احتياج الموائد الرمضانية.
ومن أمام أحد مخازن التمور، أشار المواطن عبدالله الحسن إلى أن أسعار التمور في غير موسم الصرام باهظة جداً، وليست في متناول الجميع إلا الرديء منها. وأضاف أن هذه المحال تقوم بتصريف كامل بضاعتها وبأغلى الأثمان قبل بداية موسم التمور الذي يكثر فيه العرض وتنخفض الأسعار.
من جهته، قال رئيس لجنة التمور بالغرفة التجارية بمنطقة القصيم المهندس سلطان بن صالح الثنيان لـ"الوطن" إن 10 أغسطس من كل عام هو بداية بواكير التمور في المنطقة، مؤكداً أن تزامن ذلك مع شهر رمضان أو قبله بقليل يزيد من ترويج السلعة، ويضاعف المبيعات. وأضاف أن ضرورة وجود التمور على الموائد الرمضانية أسهمت في زيادة الطلب، مؤكداً أن المبيعات السنوية للتمور بلغت ملياري ريال في مزادات المهرجانات والمحال التجارية والصفقات التي تعقد خارج السوق.
وحول تأثير تأخر بواكير التمور إلى ما بعد انتهاء رمضان على المبيعات هذا العام، قال الثنيان إن المبيعات تبقى على طبيعتها المعتادة وعند قدوم رمضان المقبل تزداد كميات الطلب على التمور المكنوزة من الموسم الماضي، وهذا يسهم في زيادة الأسعار إلى 30% من قيمتها السوقية.