نشطت في السنوات الأخيرة مجموعات بحثية مختلفة تدرس واقع مراكز البحوث، وتتعمق في الكشف عن طبيعة عملها، وما تحاول تحقيقه من أهداف، وما تثيره من تساؤلات، ولاسيما من خلال "تلاعبها" بالرأي العام والإعلام، فضلا عما تقدمه من توصيات للسياسيين ورجال المال والاقتصاد، أو ما تقدمه لهم من تبرير لقراراتهم. وتهتم هذه المجموعات البحثية على وجه الخصوص بمصادر الدعم التي تتلقاها مراكز البحوث ومدى الشفافية التي تظهرها هذه المراكز عن هذه المصادر.

ومن بين المجموعات البحثية، مجموعة أميركية تسمى "ترانسباريفاي (Transparify)، نشرت نتائج دراسة مسحية هي الأولى من نوعها، أجرتها على 169 من المراكز البحثية التي يطلق عليها اسم (Think) Tanks)، في 47 دولة.

أسهم في الدراسة المسحية لمراكز البحوث لعام 2013، مجموعة كبيرة من الخبراء، زاد عددهم عن تسعة آلاف من الصحفيين، وصُناع القرار، وممولين من القطاع العام والخاص، ومتخصصين في دراسة موضوعات أو مناطق محددة، كان دورهم هو ترشيح أسماء مراكز البحث وتقويم مستويات أدائها. وخضعت البيانات التي تم جمعها لتحليل تفصيلي ومراجعة معمقة، شارك فيه مئات من المتخصصين بالاعتماد على معايير وضوابط محددة، جعلت إدارة المشروع على قدر من الثقة بأن ما أنجزته يُعد أهم قائمة مرجعية لمراكز البحث ذات الأداء العالي في العالم.

وقد كشفت هذه الدراسة عن سجل ضعيف من حيث الإدلاء ببيانات موثوقة عن مصادر تمويل المراكز البحثية. وقد أحدثت الدراسة ضجة كبيرة في أوساط مراكز البحوث حتى قبل الإعلان عن النتائج. وقد صُنِّفت مراكز البحث التي شملتها الدراسة ضمن ستّ فئات: أولها عالية الشفافية، وآخرها معتمة تماماً. ويرمز لدرجة الشفافية بعدد النجوم فأعلاها في درجة الشفافية لها خمسة نجوم، والتي تليها في الشفافية لها أربعة نجوم وهكذا حتى الفئة السادسة التي ليس لها أية نجمة. وكان عدد المراكز البحثية في الدرجات الست كما في الشكل.

وأشار التقرير إلى أن مركزا واحدا من كل ثلاثة مراكز يظهر شفافية كافية عن مصادر تمويله. وأظهرت النتائج أن 21 مركزا فقد تتصف بشفافية عالية، إضافة إلى 14 مركزاً آخر تُعدّ شفافة بصورة عامة، بينما كانت 134 مركزاً تظهر قليلا من الشفافية عن مصادر تمويلها أو لا تعطي أي معلومات نهائيا.

ويلاحظ أن المراكز التي تتصف بشفافية عالية وعددها 21 مركزاً تتوزع على 26 دولة من دول العالم، واللافت للنظر أن عدد المراكز البحثية التي تتصف بشفافية عالية في جمهورية الجبل الأسود أكثر منها في الولايات المتحدة الأميركية.

ومن المعايير التي استخدمت في تقويم مراكز البحوث وتقدير كفاءتها: نوعية القيادة والتزامها في تحقيق رسالة المركز وأهدافه، وتوظيف الموارد المالية والبشرية لغرض تلك الرسالة، واستقلالية المركز، وشهرة الباحثين في المركز، والقدرة على تجنيد مفكرين ومحللين من مستوى النخبة المتميزة، والضبط الأكاديمي للبحوث المنجزة، وعدد هذه البحوث، وأثر مركز البحث والبحوث والبرامج التي أنجزها على صناع السياسات والعناصر الفاعلة في المجتمع، وسهولة التواصل مع المؤسسات المهمة في الدولة والفئات المستهدفة بعمل المركز، والقدرة على التشبيك وعمل شراكات مع مراكز بحوث أخرى وممارسين سياسيين، وحجم النشاطات الكلية وتنوعها، وتوظيف صناع القرار لتقارير المركز وتوصياته واستخدم منجزاته، ونوعية برامج البحث وبرامج التعليم في المركز، واستعمال الوسائل المتنوعة من إلكترونية ومطبوعة ومسموعة للتواصل مع الجمهور المستهدف، وحضور المركز في وسائل الإعلام، ونوعية الموقع الإلكتروني على الإنترنت، وفاعلية استخدم مصادر التمويل وفق شروط الممولين، والقدرة على جسر الهوة بين الأكاديميين وصناع القرار، ومدى النجاح في إبداع أفكار جديدة، وبرامج مبتكرة، إلخ ..

ويمكن لمراكز البحوث أن تقوم بدور إيجابي في إجراء بحوث سياسات تتصف بالاستقلال والعمق من أجل تنوير السياسيين والإعلام والعامة. ومع ذلك فإن البيانات تكشف عن أن بعض مراكز البحوث الرئيسية لا تزال غير شفافة مالياً كما يمكنها ذلك. ونقص الشفافية هذا يمكن أن يثير أسئلة عن برامج عملها الخفية، وبذلك تهدم فاعلية قطاع مراكز البحث بأجمعه.

ولم يخصص التقرير فئة خاصة للبحوث في الدول العربية وإنما وضعها هذه الدول ضمن فئة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتشمل الدولة العربية وتركيا وإيران. وقد تضمنت هذه المنطقة أفضل 50 مركزاً بحثياً، جاء في قمتها مركز الأهرام، ويليه مركز بروكنجز الدوحة في قطر، ثم مركز دراسات الاقتصاد والسياسة في تركيا، ثم مركز كارنيجي الشرق الأوسط في لبنان، ثم مركز الجزيرة للدراسات في قطر، ثم مركز بحوث الخليج في المملكة العربية السعودية، ثم منتدى الفكر العربي في الأردن. وكان نصيب تركيا منها 4 مراكز، وإيران مركز واحد. وتوزعت الدول العربية بقية المراكز فكان نصيب مصر 9 مراكز، والإمارات 4، والأردن، وقطر، والكويت، ولبنان 3 مراكز لكل منها، والمغرب، والبحرين، مركزان لكل منهما، والسعودية، وفلسطين، وتونس، وليبيا، واليمن، مركز واحد لكل منها.

بلغ عدد مراكز البحوث التي تضمنتها الدراسة 6826 مركزاً بحثياً، من 182 دولة في العالم، توزعت على الصورة الآتية: الولايات المتحدة الأميركية 1780 مركزاً بنسبة (26.07%)، وأوروبا الغربية 1270 مركزاً (18.6%)، والصين 426 (6.2%)، والهند 286 (4.2%) واليابان108 (1.6%)، والبلدان العربية 387 (5.7%).