رب ضارة نافعة، فمن النفع الذي تم كسبه في قضية تشويه الإسلام، ما سمعناه من بعض قادة الدول العظمى، من أن الإسلام بريء من ممارسات بعض أبنائه، وأن الإسلام لا يدعو إلى العنف بل للسلام.

هذا تطور مهم في العقلية الغربية، خاصة إذا جاء من قادة دول لها وزنها الكبير في العالم، ومن المهم استثمار هذا التطور في العقلية الغربية، والعمل على توسيع دائرته بشكل منظم من قبل العالم الإسلامي؛ لتصحيح الصورة النمطية السيئة عن الإسلام والمسلمين.

وتعميم تلك الصورة النمطية يأخذ طرقا مختلفة بعضها يتم بتخطيط محكم، وبعضها يقوم على تجربة واحدة أو تجارب قليلة يتم تعميمها، وبعضها يعد إرثا تناقلته الأجيال من القدم. وتعرف الصورة النمطية بأنها مجموعة من الأحكام والانطباعات والتصورات التي يأخذها شخص أو جماعة أو مجتمع عن آخر، ويستخدمها منطلقا وأساسا لتقييمه لهذا الشخص أو ذلك المجتمع وتحديد موقفه وسلوكه إزاءه. والصورة النمطية عن العرب والمسلمين اليوم للأسف سلبية، وتقدم للعالم عن طريق ثلاث وسائل هي: التعليم، والإعلام والسينما، إذا اعتبرنا أن السينما صناعة مستقلة عن صناعة الإعلام.

اثنتان منهما مسيستان، وما يعرض فيهما هو عن قصد وتخطيط مسبق؛ للوصول إلى هدف معين، وهما الإعلام والسينما.

قرآننا يقول لنا: "ليسوا سواء"، ولهذا فإننا نطمح إلى التواصل لدحض الشر عن كوننا، وتكريس السلام والمحبة والتعايش فيه.

الموضوعيون من أبناء الغرب، بدؤوا يدركون أن هناك خلطا بين الإسلام وممارسات المسلمين. فأي ممارسات من قبيل المسلمين عبر التاريخ سواء كانوا قادة أم أفرادا تحمل على الإسلام. فهم لا ينظرون إلى الأمر بالعمق الذي يتضح لهم خلاله الفرق بين الأمرين، لذا لا بد أن يكون العمل الذي يراد به الحوار مع الغرب ضمن خطة محددة واضحة الأهداف يتم تقييم مراحلها لتحسين أداء المراحل اللاحقة.

إن قيم الإسلام هي المحبة والسلام والتسامح والتعاون، وإذا كان في دين الغرب ومعتقداتهم وفي كتبهم المقدسة ما يدعو لكل ذلك فلماذا نرى الخلاف والعنف يطغى على الساحة بيننا وبينهم؟ أعرف أنه سؤال كبير عند البعض وساذج عند البعض الآخر، وبين الرأيين تكمن التفاصيل، وأحيانا في التفاصيل يكون الشيطان كما يقول المثل المعروف، الغرب يرفع في كل الأحايين رغبته في بث المثل والقيم العالمية وبسطها بين الأمم حتى ولو بالقوة، وكثير من الأمم تعتقد بتلك المثل وأولها الأمة الإسلامية، لكن هناك أسبابا أخرى طغت على كل رغبات المتعقلين والوسطيين من كلا الطرفين، ومنعت الحوارات الهادئة والهادفة من أطراف مخلصة كانت تود أن يصل الفريقان إلى نقطة التقاء تكرس التقارب الذي يؤدي إلى بسط المثل والقيم التي تكفل بقاء ذلك التقارب ويغذيه لينتج عنه تعاون يكفل سلاما وأمنا لمجتمعاتنا وإعمارا لأرضنا.

إذا أخذنا وضع عصرنا الحاضر، وجدنا أنه لا يحتمل ما يحدث فيه من منازعات وعداوات واقتتال، فعصرنا أصبح قرية يتأثر بعضها ببعض، ولا يمكن أن يصلح حال بعضها وبعضها الآخر معتل، ولا يمكن أن يستقر بعضها وبعضها الآخر ناقم، ومستفز، ولا يمكن أن يكون بعضها سليما وبعضها الآخر عليل، وهكذا أصبح من الذكاء أن نعمل جميعا على المساواة بين كل جزء فيها لتحقيق أمنها كلها وتقدمها كلها وإلا استمرت المعاناة الناتجة من النزاعات والعداوات والتمزق.

في الأحداث الأخيرة، وهي بالتأكيد لن تكون الأخيرة، تكررت الأخطاء من كلا الجانبين، تم استفزاز المسلمين في عقيدتهم من قبل البعض في الغرب، ببث أفلام تسيء إلى دينهم ونبيهم، ولا أظن الغرب يتوقع أن يكسب مليارا ونصف مسلم على هذا الاستفزاز، لكن ردة الفعل بالمقابل لم تكن مناسبة، نعرف معرفة اليقين أن هناك توجهات في سياسات الغرب لم يحد عنها منذ زمن طويل، ويجب أن يعيد التفكير ويرتب قناعاته حولها؛ لأن بعضها قد تسبب في تكوين اتجاهات سلبية نحوه، ومنها سياساته المنحازة لإسرائيل في القضية الفلسطينية، حتى لو كان ذلك على حساب سمعته وأحيانا مصالحه، وما ترتب وسيترتب على ذلك من أحداث وسلبيات. الاتجاه الثاني النفط وأهمية استمرار تدفقه، والثالث استمرار بيع منتجاته، والرابع حرية تنقله واستقراره في أي بقعة يريدها من العالم، والخامس حماية الأقليات غير المسلمة في دول الربيع العربي وغيرها، وسادسا تكريس حرية الأديان والقيم التي يرى هو أنها يجب أن تسود، وقد كلفت هذه التوجهات الغرب أمولا طائلة كانت أحد الأسباب الرئيسة في دخوله أزمات كبرت على مستوى قبوله لدى الآخرين، وعلى المستوى الاقتصادي في مصاريف الحروب التي خاضها، وللأسف لم تؤد إلا لمزيد من الاستفزاز والعنف والكراهية، ولم تعمل على تكريس السلام أو ردم هوة التقنية في العالم التي يقول بأهمية ردمها وسعيه لذلك، ولم تؤد إلى قلة السلاح حتى ما كان مختصا بالدمار الشامل.

وقد أضيف إلى عنصر القرية الكونية التي تتطلب منا السعي إلى استقرار عالمنا عنصر جديد، هو الربيع العربي، والغرب يدرك أن السياسات والتوجهات لم تعد تتكون بالطريقة التي تكونت بها في الماضي.

الغرب مضطر للتعامل مع المسلمين وهم مضطرون للتعامل معه، ويوجد في الغرب من يريد الاستفزاز واللجوء إلى العنف ويوجد في الطرف الآخر أيضا من يؤمن بذلك، وكلا الفريقين على خطأ، يجب أن نعرف أن هناك خطوطا حمراء بين الفريقين، والتعمد في الوصول إلى هذه الخطوط خطأ كبير، وبالمقابل، فإن للمسلمين مطالب مشروعة وقضايا عادلة يتم التعامل معها من قبل الغرب بتحيز واضح.

إذا فهم الطرفان هذه المعادلة بموضوعية، أمكن الحوار وأمكن الوصول إلى محطة الوفاق، هل ما يشهده العالم من اضطراب سيدعو إلى ذلك؟