احتفل الوطن بعيده الرابع والثمانين، قبل أيام، وازدانت الشوارع بمظاهر الفرح، وتحولت الجغرافيا إلى لون أخضر، وانتشرت الأعلام خفاقة رافعة شعار التوحيد: لا إله إلا الله محمد رسول الله.

هذه الذكرى العزيزة على قلب كل مواطن، تخبرنا بحجم التضحيات التي بذلها المؤسس ورجاله ـ رحمهم الله ـ من أجل لم شمل الجزيزة العربية في منظومة واحدة. تسطر لنا قصص الملاحم التي صنعها العظماء حتى استطاع الملك عبدالعزيز ـ طيب الله ثراه ـ أن يحقق تلك الوحدة الحقيقية، ويخلق منها كيانا سياسيا شامخا سماه المملكة العربية السعودية.

كل ما حولك فَرٍحٌ مبتهج يردد أغنية الوطن، وتطل من أعين الجميع حالة عشق خضراء، جعلت الشوارع ترقص طربا والقلوب تنبض حبا.

الأهازيج في كل مكان، والسعادة تغمر كل شيء في الوطن. الجميع يردد دام عزك يا وطن. عاش الملك ويحيا الوطن. لا ترى حولك إلا الضحكات والابتسام، وكل يهنئ الآخر بيوم الوطن.

الثالث والعشرون من كل سبتمبر، هو حالة فرح خاصة يعيشها السعوديون، وكثير من إخوانهم في العروبة في داخل البيت الخليجي وخارجه، وما عبرت عنه دولة الإمارات الشقيقة مثال حي على ذلك.

خلال الأربعة والثمانين عاما من عمر هذا الوطن، تحققت إنجازات كبيرة وعظيمة ومميزة، حتى وصلت المملكة لدرجة أصبحت إحدى الدول العشرين التي ترسم وتشكل سياسات العالم الاقتصادية وترسم مستقبله.

المكتسبات الوطنية أكثر من أن يحصيها مقال في صحيفة، أو حتى مجلدات، لكن المكسب الحقيقي هو حب الناشئة للاحتفال بالعيد الوطني الذين عبروا عن ذلك كل حسب طريقته وثقافته ووعيه.

حين نغرس في أولادنا حب الوطن، وحب الاحتفال بالمناسبات الوطنية في المنزل، ينبغي أن تكون على الخط نفسه الركيزتان الأساسيتان الأخريان: المسجد، والمدرسة، وبهذا يكتمل الثالوث الأساسي.

حين يكون هناك تناقض بين هذه الركائز، أو رسائل عكسية لعقل المتلقي، يصبح من العبث انتظار النتائج الإيجابية دون جهد حقيقي يبذله المستنيرون لعلاج الخلل.

البعض لا يرى في الوطن سوى وثن لا يستحق أن تحتفل لأجله، أو تظهر الفرح، بل يعد ذلك بدعة منكرة لدرجة تصل ببعض الجهلة إلى تفسيق من يمارس الفرح، وتبديع أصحابها، ووصفهم بأهل الضلالة، من باب كل بدعة ضلالة.

فريق آخر أكثر تطرفا؛ يرى أبعد من ذلك، ويرى أن كل ضلالة في النار، وهو بذلك يتألى على الله دون رادع من دين أو خجل، فيضمن لك بعقله المنحرف المتحجر مقعدك من النار، فقط لأنك تقول: أحبك يا وطني ومن حقي أن أحتفى واحتفل بك.

سمعت بأذني بعض الوعاظ يُحذرون من إظهار الفرح في هذا اليوم، بل إن البعض من الصغار يفتي بحرمة ذلك.

هؤلاء البكاؤون، أعداء الفرح والابتسام، أعداء الوطن يجب ألا تكون لهم منابر حتى نضمن أننا نصنع مستقبلا سويا في العقل الباطن لأولادنا.

هؤلاء الذين كانوا يعكرون صفو أغلب المنتديات الثقافية والمناسبات الأدبية، لن يجدي معهم النقاش والحوار، بل وصل التشدد بهم إلى أن يسرقوا الضحكة النقية من شفاه طفل يرفع الخفاق غاليا وعاليا أخضرا؛ بحجة أن تلك بدعة مستحدثة.

وزارة الشؤون الإسلامية ينبغي أن تستمع إلى ما نقول؛ لأننا نبض الشارع والمرآة التي من خلالها تستطيع أن تقرأ ما يلزم المجتمع. فنرغب منها متابعة الوعاظ الذين لبّسوا على الناس.

الطامة حين تصطدم العقليات الغضة الطرية بمتناقضات تؤثر على التفكير، يخرج من المنزل وكل ما به يوحي بالتفاؤل والأمل وحب الوطن، لتنزل على قلبه النقي وعقله البريء عبارات لا يستوعبها ولا يفهم المقصد من ورائها.

تخيلت أحد أبناء سكان الحي الذي كان يلهو مع صغاري، وبنقاء الأطفال يتفقون غدا على اللقاء للاحتفال بيوم الوطن، ثم يأتي في الغد ليقول لأقرانه إن الاحتفال لا يجوز، وحين سألته: لماذا يا بني؟ قال إنه سمع ذلك من إمام المسجد حين ذهب إلى صلاة المغرب!

أفسد هذا الواعظ المتطرف اتفاق الصغار، بينما ذكر أخوه الأكبر أن مدرس العلوم الإسلامية حذره من الاحتفال بعيد الوطن، منذ الأسبوع الماضي في غسيل مبكر لعقل مستقبل الوطن، وأعني هذا البرعم الجميل ومن على شاكلته وبعمره.

اتقوا الله في الوطن، اتقوا الله في عقول صغارنا، ولا تفسدوا مفاهيمهم، فإن كان الوطن عندكم وثنا، فهو لنا ولهم وطن لا نملك أغلى وأعز منه.

أيها المسؤولون عن عقول أبنائنا: الوطن أمانة، فلتراقبوا أولئك الذين يشوشون على أذهان زهور الوطن وقادة مستقبله، ولنزرع في صغارنا حب الوطن والاحتفال بعيد الوطن.

كل عام وأنت بخير يا وطني، وحفظك الله من كل مكروه. عاد عيدك يا وطن رغم أنف المضللين الأممين، وكل سبتمبر سنحتفل شاء من شاء وأبى من أبى، مرددين عاش الملك يحيا الوطن.