ربما لم يغب عن أذهان الكثيرين في منطقة الحجاز، تلك العربة التي كانت تمدهم بمستلزمات حياتهم اليومية، من المياه الصالحة للشرب والاستخدامات الأخرى كالغسيل، وكانت تسمى بعدة مسميات كـ"عربة الموية"، أو"عربة السقايين"، أو يمكن تسميتها بمصطلح الوضع الراهن بـ"وايتات زمان".

عادت هذه العربة التي كانت تستخدم منذ ما يزيد عن 40 عاما تقريبا، وكان يستخدمها أهل جدة قديما لتمويل بيوتهم بالمياه، إذ شكلت إعادتها داخل إطار المنطقة التاريخية بمركزية البلد بجدة، حديث الذكريات لدى أغلب الناس الذين عاصروها في ذلك الوقت، وكان من هؤلاء أحد مشرفي "مقعد جدة" و"أيامنا الحلوة"، المتخصص في التراث الجداوي وهو طلال الخوتاني.

رغم مرور أكثر من أربعة عقود على استخدام عربة السقايين، إلا أن الاستخدام بعد كل تلك السنين تمايزت من ألفها إلى يائها، فاليوم لا تُسقى بيوت التاريخية من العربة، بل تستخدم لملء خزانات المراوح المخصصة لبعث الرذاد البار على زائري المنطقة، والتخفيف من حدة ارتفاع درجات الحرارة التي تواجه الزائرين هذه الأيام في عروس البحر الأحمر.

يعود الخوتاني للحديث عن ذكريات "عربة الموية" التي تحمل فوق ظهرها صهريجا صغيرا، يجرها ـ في ذلك الوقت ـ الحمار، ويتعاقد أهل الدار مع أحد هؤلاء الذين يمدونهم بالمياه بشكل أسبوعي تقريبا، بمبلغ لا يتجاوز في تلك الحقبة الماضية خمسة ريالات تقريبا.

أصحاب عربات الموية، كانوا يستخدمون براميل صغيرة يطلق عليها محليا بـ"التنكة"، يقومون من خلالها بتفريغ شحنة المياه المطلوبة في خزانات البيوت المتعاقدة معها، بالشكل المطلوب.

ويستذكر طلال الخوتاني وهو يتحدث عن تلك الفترة الماضية في حياته، ويركز محوره على بركة استخدام المياه في ذلك الوقت، وكيف كانت ربة العائلة تغرس في أبنائها حب "ترشيد المياه"، وعدم الإسراف في استخدامه.

تشير معلومات تاريخية حصلت عليها "الوطن"، أن لكل حارة عربات مخصصة لمدها بالمياه، حتى تتوزع الأدوار بين الجميع، ويكون الرزق متاحا لجميع العاملين، إذ لم يكن دارجا في ذلك الوقت احتكار الصنعة لفئة دون أخرى.

ويبقى السؤال الأساس، من أين يأتي السقاة بالمياه، وللإجابة عن هذا السؤال تكمن في "البازانات"، التي كانت من أهم مصادر المياه في جدة، والبازان مكان للسقاية وهو عبارة عن شبكة مياه بها مواسير تسمى "أشياب"، يتدفق منها الماء لتعبئة برميل حديدي مشبوك بعجلتين وحمار.

ويقال إن أصل كلمة "بازان" تركية وهي مرتبطة باسم مهندس تركي قام بتصميم شبكة المياه لسقاية الناس، والبعض ألمح إلى خلاف ذلك وأعادها إلى عام 1326، عندما أرسل أحد أمراء المغول في العراق أحد العاملين عنده واسمه بازان لإعادة إصلاح خط المياه المدمر.

وتشير تقارير أن البازانات ألغيت تقريبا قبل 40 عاما، بسبب توسع المدينة وتوفر شبكة المياه التي دخلت البيوت بدلا من "السقا"، وكان الماء يجلب من بازانات الكندرة وحارة اليمن والبغدادية وحارة المظلوم والقشلة وكيلو 3 بطريق مكة والنزلة الشرقية ومدائن الفهد وغليل والهنداوية، وأشهرها بازان العيدروس وبازان السبيل.