أخيرا، وبعد سنوات من الشوق والتردد والتفكير، علقت في مصيدة للفئران! نعم هذا صحيح.. انضممت إلى قائمة حضور المسرحية الأشهر على مستوى العالم: "مصيدة الفئران Mousetrap"، لقمّة الرواية البولسية "أجاثا كرستي".

منذ سنوات كنت أحلم باللحظة الذي تتاح لي فرصة حضور أحد عروض المسرحية الوحيدة التي أبدعتها أنامل "أجاثا كرستي"، التي انطلقت عروضها منذ العام 1952، على مسرح القديس مارتين St. Martins Theater في قلب لندن.

المسرحية التي احتفلت قبل عامين بمرور ستين عاما على رفع ستائرها، التي استمرت حتى وقتنا الحاضر، مما أهلها لأن تكون المسرحية الأطول عرضا حول العالم كله، حسب موسوعة جينيس للأرقام القياسية.

وكان الموعد، إذ انطلقت نحو المسرح، مخترقا شبكة محطات قطار الأنفاق اللندني، تهت قليلا حتى وصلت إليه، لم أجد ازدحاما شديدا في البهو الصغير لهذا المسرح العريق، فلقد وصلت بعد بداية المسرحية بثلاث دقائق، ومباشرة نحو موظفة الاستقبال، اخترت مقعدي في مؤخرة الجهة الأمامية أو بلغة الأرقام: المقعد N10، حينها دفعت 31 جنيها إسترلينيا "161 ريالا سعودي تقريبا" ببطاقتي الائتمانية، لأسجل نفسي ضمن حضور العرض رقم 24496 للمسرحية!.

وقبل دخولي اقترب مني أحد معاوني المسرح، وبكلمات قليلة شرح لي ما فاتني خلال دقائق البداية القليلة. وسريعا أصبحت جالسا في مقعدي ومركزا بحواسي كافة نحو هذه الخشبة العتيقة.

المثير في الأمر، أن هذه المسرحية اليتمية لأجاثا كرستي جاءت بطلب من الملكة "ماري". إذ ومع بداية العام 1947 وأثناء الاحتفال بعيد ميلاد الملكة الثمانين، طلبت هيئة الإذاعة البريطانية BBC من الملكة أن تختار شيئا تبثه الإذاعة بهذه المناسبة، وكان المتوقع أن تطلب الملكة جزءا من روايات شكسبير أو مقطعا من أوبرا شهيرة، ولكنها بدلا من كل ذلك طلبت مسرحية من كتابة أجاثا كرسيتي، التي على الفور استجابت وكتبت مسرحية إذاعية قصيرة مدتها ثلاثون دقيقة، بعنوان: ثلاثة فئران عميان Three Blind Mouse، لتتطور وتنتج بعد سنوات قليلة بشكل احترافي تحت مسمى: "مصيدة الفئران".. حتى أمست مع مرور الوقت أيقونة لندنية بكل المقاييس.

لا بد لكل سائح مثقف من زيارة لها، وحضور عرض يضاف إلى ذكرياته الشخصية. بل وأكثر من ذلك فلقد أديت المسرحية حتى الآن في أكثر من 44 بلدا حول العالم، و بلغات مختلفة، لا أعلم إن كانت اللغة العربية إحداها!

تعاقب على أداء المسرحية 390 ممثلا وممثلة، رغم أن طاقم المسرحية يتكون من ثمانية ممثلين فقط!، ومن المثير أن نعلم أنه تعاقب ـ أيضا ـ على إخراجها 23 مخرجا، لكل منهم لمسة إبداعية ورؤية مختلفة، ولكن جمعيها تدور ضمن الإطار العام لجو البوليسية والإثارة والغموض.

ومع مرور الزمن أضحت المسرحية مدخلا مهما، وخطوة لا بد منها قبل دخول الوسط الفني البريطاني، ذلك أن طاقم المسرحية يتغير كل سنة تقريبا، مما يفتح المجال لتجديد الدماء.

يقع مسرح القديس مارتين" في قلب لندن، بالقرب من جادة ليستر Leicester الشهيرة، ضمن مبنى فكتوري قديم، الذي وما إن تدخله حتى تجد بهوا ضيقا لا يكاد يتسع إلا لأفراد لا يتجاوزون أصابع اليدين، على الجهة اليسرى توجد نافذة ضيقة لبيع التذاكر، ويقابلها من الجهة اليمنى نافذة أخرى لبيع تذكارات المسرحية من كتب ومجلات وملصقات، وبعض التذكارات اللطيفة، وفي المقدمة صورة جامعة لطاقم المسرحية، بينما تقبع على الجهة اليمنى لوحة تتضمن عدادا لعروض المسرحية، يتصاعد رقمه بشكل يومي.

رغم أن لغة المسرحية هي "الإنجليزية"، إلا أن مهارة فريق التمثيل وإبداع الكاتبة كانا كفيلين بإيصال الفكرة، وتسلل الأحداث؛ حتى لمن يمتلك لغة إنجلزية ضمن الحد المتوسط، إذ تدور أحداث المسرحية البوليسية حول جريمة قتل تحدث في نُزل جديد، للتو افتتحه زوج وزوجته من حديثي الزواح، هنا تصل الحبكة ذروتها حينما يصل مفتش الشرطة لتحدث جريمة أخرى رغما عن أنفه... فمن يكون المجرم يا ترى؟

لن أبوح لك عزيزي القارىء بالقاتل المستتر! إذ إنه وبعد نهاية المسرحية ومع تحية أبطالها. أكدوا لنا ـ نحن الحضور ـ أننا انضممنا إلى قائمة مئات الآلاف ممن حضروا المسرحية، واستمتعوا بغموضها وحبكة قصتها المتداخلة. وللأمانة فإن سر الجريمة لا بد أن يبقى بين جمهورها فقط!

- صورة مع التحية لجمعية المسرحيين السعوديين.