كنت تطرقت في مقالي السابق "رسالة لوزير الثقافة والإعلام" إلى ما يعانيه إعلامنا من قصور في تقديم أنفسنا إلى "الآخر"، وأوضحت كيف أن بلادنا برغم مقدراتها الاقتصادية الكبيرة، ووزنها الديني العريض في العالم الإسلامي، إلى جانب حنكتها السياسية التي يُعتد برأيها في أروقة القرار الدولي، إلا أن هذه القيمة مجتمعة أو منفردة لا تصل إلى الآخر، كما هو الحال بل على العكس من ذلك، فإن سلوكا فرديا لأحد المواطنين في الخارج قد يحسب ضد المملكة، وكان الأولى أن ينظر إليه من زاويته المحدودة والمحددة بهذا الفرد.

لكن التجاوزات الفردية زادت واتسعت قاعدتها من خلال تعدد إجازاتنا، وكذلك تنوع مقاصدنا السياحية شرقا وغربا، وعجما وعربا، وكثرة أسفارنا بما يسهم في تعزيز هذه النظرة وعلينا الإقرار بأن كثيرا من سياحنا في الخارج يتصرفون وفق سجيتهم وعفويتهم، التي لا تراعي الفروقات الثقافية والاجتماعية والحضارية بيننا وبين غيرنا بما يورث سوء الفهم، كما تسهم كثير من أساليب "الفشخرة والهياط" في إثارة غيرة وحنق الآخر وتجرئهم على السرقة وربما الجريمة، وكان علينا الاستعانة بالمثل الدارج "يا غريب كن أديب"، وأن نتمثل قدر الإمكان سمتنا الإسلامي في لباسنا وصرفنا المادي؛ لأننا شئنا أم أبينا نحمل هذه الهوية طالما أننا من المملكة مهبط الوحي والرسالة.

أيضا فإن وضع الخطط لإرسال الوفود الفنية الفلكلورية لإقامة المهرجانات في الخارج، وتقديم وجهنا الآخر للآخر كفيل بأن يسهم في تبييض سمعتنا المستهدفة عمدا أو جهلا، ولعلنا مانزال نتذكر الأثر الإيجابي الذي تركته معارض "المملكة بين الأمس واليوم"، التي جالت وجابت الكثير من الدول الغربية الصديقة.

وعلينا كما ذكرت سابقا أن نوقن بضعفنا وقصورنا في تقديم أنفسنا ليس هذا فحسب، بل إننا حقيقة نلعب دور المدافع الذي ينتظر رأي غيره ليقول رأيه ويفند الأغلاط وسوء الفهم، إضافة إلى ذلك فإننا نتأخر كثيرا في الرد بعد أن تكون الإشاعة قد راجت وتكرست، ولهذا فنحن في حاجة إلى وضع سياسة المبادرة وخلق البرامج والمعلومات الطريفة والغريبة، التي تميزنا وتلفت الأنظار إلينا، ويجب عدم الاقتصار في هذا الشأن على الإعلام المحلي التقليدي الذي يحبو، والاعتماد على الإعلام الجديد بوسائطه المتنوعة التي حققت أعلى المشاهدات بين أوساط الشباب، وهذا بدوره لن يتحقق إلا من خلال أسلوب الابتدار والتواصل مع الآخر، والتخلي عن أسلوب الدفاع ورد الفعل.

وأستطيع أن أضرب مثالين سريعين لبعض الأحداث الأخيرة التي أثارت ردود فعل واسعة وتم توظيفها للإساءة للمملكة، خاصة في نهجها الديني.

الحادثة الأولى: فكرة نقل الغرفة النبوية الشريفة إلى مقابر البقيع، وقد أحدثت ردود فعل سريعة وسلبية في الداخل والخارج خاصة، وقد تم توظيف الفكرة على أنها تمثل رأيا وتوجيها رسميا للدولة، وقد مضت أيام بعد تداول هذه الحادثة التي ضجت بها الوسائط والقنوات الداخلية والخارجية؛ حتى تم نبذها ونفيها والإيضاح بأنها مجرد فكرة فردية وضمن بحث لأحدهم.

لكن الإعلام اليقظ الذي لا يتثاءب هو الذي يتحفز ويعالج الأمر بسرعة لا تحتمل التأخير وصولا إلى مرحلة الدفاع.

أما الواقعة الأخرى، فهي الفتوى التي أباحت إسعاف المرأة دون لمسها، فكانت للمغرضين مثاراً للسخرية والتعليقات الكيدية، وقد قام الشيخ لاحقا بالتعقيب والتفسير موضحا أنه يقصد إسعافها مباشرة بلا مانع يحول دون لمسها مباشرة، وكان الأحرى بالشيخ عدم الاستعجال، وأن يضع في باله وحسبانه أن هناك من يتصيد الزلات ليوظفها خارج سياقها الحقيقي، وبالتالي كان عليه أن يكمل إجابته دون استدراك لاحق، ويضع كل المحاذير من البداية، وكان عليه خاصة أن يحتاط للذهنية الاجتماعية التي مازالت تتذكر بمرير من الألم كثيرا من حوادث مدارس البنات والجنايات التي وقعت لمجرد التباطؤ والاجتهاد في مسألة الإنقاذ، كما كان على الإعلام دائما أن يكون حاضرا عند أي واقعة ليسجل رأي كل الأطراف مباشرة وبسرعة.

الخلاصة هي: أن علينا إعادة سياسة ونهج تقديم أنفسنا حتى لا ندع غيرنا الذين لا يحسنون معرفتنا تقديمنا بصورة مغلوطة ومشوهة سواء كان ذلك نابعا عن جهل بنا أو كيد لنا.