لم أفق حتى الآن من مشاعري المضطربة، إزاء عدم العثور حتى الآن على الشاب الصغير ذي السابعة عشر من العمر "صالح"، أو كما أطلق عليه المغردون "مفقود عبدالله فؤاد"، نسبة إلى الحي الذي تسكنه عائلته في مدينة الدمام، لقد مر الآن عام كامل على اختفاء "صالح"، الذي خرج من بيته آمنا مطمئنا ثاني أيام عيد الفطر الماضي، حيث كان متوجها لأداء صلاة المغرب، إلا أنه لم يعد بعد ذلك، وقد كان "صالح" يعاني من مرض نفسي، وضعف في البصر، وصعوبة في النطق، وقد انشغل "تويتر" في تلك الأيام بالبحث عن المفقود، الذي لم يعد حتى هذه اللحظة.

وقد لفتتني جدا الحملة التطوعية التي قام بها عدد من المغردين، إذ تم توزيع المئات من المنشورات، التي كتبت بلغات متعددة على المنازل وسائقي السيارات، وقد وجدت النشرة شخصيا مؤطرة بصورة "صالح" الكفيف فوق سيارة أسرتي، وشعرت بالجراحات المالحة، تلك التي لا أستطيع تحمل قساوتها ليلا حينما تنفتح، وتساءلت: ماذا يا ترى تفعل الآن أسرته إزاء فقدانها اللا متوقع لابنها؟ ولست الوحيدة التي شعرت بهذا الحزن المرير على فقدان "صالح"، إنما حتى أطفال الأسرة الذين لفتتهم صورته المنشورة في كل مكان من أحياء المنطقة الشرقية، باتوا يتساءلون: أين ذهب "صالح"؟

هذا ما حدث في المملكة، ولكن ماذا عما حدث لأحد أبناء وطني في الخارج، في الولايات المتحدة وتحديدا في لوس أنجلوس؟ هذا ما سأتوقف أمامه في مقالي، إذ فوجئنا جميعا بخبر مؤلم للغاية، يعلن عن اختفاء مبتعث سعودي وهو "عبدالله القاضي" في هذه المدينة الهوليودية، الخبر يقول: إنه فقد الطالب يوم الأربعاء 17 سبتمبر، حيث يقيم في مدينة لوس أنجلوس منذ أربعة أعوام، ويتلقى تعليمه الجامعي فيها من أجل التحضير لمرحلة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية بجامعة كاليفورنيا. اختفى "عبدالله" ولم يعد يظهر له أي أثر. والمعلومات ماتزال غامضة بعض الشيء، ولم يظهر ما يشير إلى وجود انفراج أو حتى أمل، و"القاضي" البالغ من العمر 23 سنة، يقال إنه بث إعلانا في الإنترنت عن رغبته في بيع سيارته، فاتصل به أحدهم معلنا رغبته في شرائها، فذهب إليه ظهر الأربعاء وباعها له، لكنه لم يعد من بعدها، وغاب تماما عن الأنظار.

حتى زميله في السكن، وهو من أحد أقاربه، عاد إلى الشقة في السابعة ليلا ولم يجده فيها، عندها أسرع أخوه ومن بعدهما بعض زملائه، واتصلوا به على هاتفه الجوال، "لكنه لم يرد على الاتصال"، حسبما قال شقيقه المبتعث هو أيضا أحمد القاضي، الذي ظهر في أحد البرامج التلفزيونية السعودية، وقال إنه لا أحد يعلم جيدا حقيقة ما حدث، وقال إنه يعرف أن "عبدالله" قد نشر إعلانا، ولكنه ليس متأكدا إذا ما كان ذاهبا للقاء المشتري أم لا؟ أيضا البرنامج استضاف الدكتور محمد العيسى، المحلق الثقافي في سفارتنا في واشنطن، وأوضح في اللقاء أن الطالب المختفي مجتهد، وهو على وشك التخرج في جامعة كاليفورنيا، ووضعه الدراسي جيد ولا توجد عليه مشاكل، وقال "متباهيا" إن الملحقية بمجرد سماعها نبأ اختفاء "عبدالله"، تواصلت مع القنصلية السعودية في لوس أنجلوس، ومنذ ذلك الحين وهم يبحثون عن أدلة قد تقودهم إلى مكان الطالب المختفي، كما تم تعيين محقق خاص لمتابعة القضية مع السلطات الأميركية، وحينما قال لهُ المذيع إن أحد المبتعثين يقول: لماذا لا يتم إرسال بيانات الطالب لجميع المبتعثين؟ تردد العيسى في الإجابة لكنه سرعان ما نفذ بجلده، وقال: إن الملحقية لا تريد إرباك بقية الطلبة والطالبات المبتعثين، وإنهم استخدموا حسابهم الموجود في "تويتر"، في الإعلان عن الطالب المختفي نظرا لكثافة المتابعين.

ورغم وجود هذا التحري إلا أننا حتى الآن، لم نسمع عن وجود أي أخبار عن "عبدالله"، وإنني هنا أستغرب تماما من عدم وجود أي حراك إعلامي للملحقية الثقافية أو التعليمية في سفارتنا، وكأن الأمر يعني جارتهم وليس المفقود هو واحد من أبناء هذا الوطن، وعليهم هم تحديدا أن يقوموا بما هو أكبر من تعيين محقق خاص، فلا بد أن تلعب السفارة والملحقية دورا أكثر تأثيرا، حتى يشعر بقية الطلبة والطالبات بالأمان فيما لو حدث لأحدهم موقف مشابه لما حدث لـ"عبدالله"، أعاده الله سالما آمنا إلى أهله ووطنه.

التفاعل الإعلامي ضعيف، والصحف هي من تلجأ إلى الملحقية كي تحصل على آخر الأخبار والمعلومات، والمفترض أن الملحقية تعين عددا من الموظفين يدركون حجم وأهمية المسؤولية الملقاة على عاتقهم تجاه أي مواطن سعودي يحدث لهُ موقف أو حادث ما، يجب أن تكون الملحقية والسفارة أكثر تحركا، حتى نشعر نحن المواطنين هنا في المملكة أن لنا ظهرا نستند إليه فيما لو حدث أمر ما لأحد أبنائنا في الخارج.

وأتمنى أن يعود "صالح" و"عبدالله" إلى أحضان أسرتيهما، وأملنا في الله لا يخيب.