وهنا للتقريب والمقاربة سأنقل لكم صورة المشهد ما بين رسالتين على مجموعة واحدة من مجتمع "الواتس أب".

في الأولى شاب يحذر من الخطر العقائدي للاحتفال باليوم الوطني، ومثل الآلة الصماء، ينسخ ويلصق بعض الآراء والبيانات المجلجلة بالغلو في تحريم مثل هذا اليوم، والمغالية في تصوير ما حدث وسيحدث فيه، وتصويره المتطرف وكأننا نبتدع للأمة عيدا موازيا للفطر والأضحى، وكل عاقل حصيف يعرف بالضبط أوهام هذه المقارنة.

رسالة، بل رسائل من شاب متحمس، وكل أفراد المجموعة الاتصالية نفسها يعرفون عنه أنه أكمل الابتدائية بصعوبات استثنائية خارقة في زمن لم تعد به هذه الشهادة محل نجاح أو رسوب.

كل المجموعة بلا استثناء تعرف أن هذا الشاب لا يستطيع تفكيك وهضم جملة واحدة من بيان العلماء الذي ينسخه ويرسله في تحريم الاحتفاء بوطن ويومه.

في الرسالة المقابلة، وفي الرد على الرسالة الأولى: شيخ علم جليل فاضل يعرف كل أفراد هذه المجموعة أنه عاش زاهدا تقيا نقيا، قطع للعلم الشرعي جل حياته من الأولى المتوسطة بالمعهد العلمي حتى آخر شهادات المعهد العالي للقضاء، ولازال بعد خمسة عقود من هذا الجهاد في طلب العلم الشرعي ينتظر راتب آخر الشهر رغم وظيفته المرموقة التي تعرفها كل منطقته وغالب وطنه.

هذا الشيخ الجليل الزاهد، وأكثر "المجموعة" علما وطلبا له يرى أن المسألة مصلحة دنيوية مرسلة من اجتهاد ولي الأمر لترميم البيت الوطني، وللتذكير بأهمية صيانته ووحدته؛ من أجل المصالح العامة للأمن وللحياة ولمستقبل خمسة ملايين أسرة، ثم يستشهد بقول المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام: "أنتم أعلم بأمور دنياكم".

هذا الشيخ الجليل الزاهد الذي قضى كل حياته في طلب العلم ينظر للمسألة من زوايا لن يستطيع الشاب المقابل، صاحب الرسالة الأولى، حتى من القدرة على القراءة اللفظية لرسالة رأس "المجموعة" وأكثرهم علما، بل وأنبلهم وأبقاهم، وهكذا كل المجموعة تحسبه، وإلى الله جميعا نحسبه كذلك.

وهنا زبدة الفكرة وجوهر المقالة: نحن كلنا ضحايا حين ننساق لآراء العوام وكتائب محو الأمية التي لا تستطيع حتى مجرد قراءة وتحليل وتفكيك ما تجلجل به وتعيد لصقه وإرساله إلى هذا المجتمع.

نحن بالعواطف ننساق وراء رسائل من لم يستطع تجاوز شهادة الابتدائية إلا بالمستحيل الخارق ليظل فضيلة الشيخ التقي النقي المؤمن الزاهد غريبا لا بين أهله وجماعته، بل أيضا في مجموعة محدودة من الواتس أب. بين شيخ قضى كل حياته لدراسة منابت الفتن وكيف تقبل على الأمة وبين صاحب ابتدائية لو أننا سألناه ماذا تعني الفتنة لما استطاع الجواب.