أين وصلنا؟ نعم: "القَبَلِيَّةُ" نظام اجتماعي مدنيٌّ، جامعٌ وليس مانعاً من المراجعة والتطوير، والنقد والتغيير! ونعم أيضاً: أساسه الانتماء العرقي أو الجهوي أو المكاني أو حتى "الآيدلوجي" ـ كالخوارج مثلاً ـ لكنَّ عَصَبَهُ المصلحة العامة، وعصب المصلحة العامة هو: الأمن أولاً، والاقتصاد أولاً مكرراً! وضربنا مثلاً عريقاً بـ"قريش" التي هي ـ وقليل من يعرف ـ مجموعة من الأعراق، والمكونات القروية، والمضارب البدوية، "تقرَّشت" ـ أي تجمعت واتفقت واتحدت ـ لتحقق المعنى الأهم من "التقرش" وهو: القوة والغلبة تجارياً، واقتصادياً، واجتماعياً، قبل أن تكون عسكرياً! وأساس "تقرشها": هو انتماء معظم ـ وليس كل ـ تلك "التكوينات" إلى "النضر بن كنانة" من "مضر"، ثم إلى مكان يسمى "أم القرى" فيما بعد! ولعل مايؤكد مدنية ونظامية "القبيلة" هو: اختلاف المؤرخين حول هوية "قريش"، بعد أن أجمعوا على أنه لقب ـ أي وصفٌ سلوكي ـ أطلق على من قام بـ"تقريش" تلك المكونات والتكتلات الاجتماعية! فمنهم من يقول: إنه "النضر بن كنانة"/ الجذر العرقي، أو "خيط السبحة"! وهناك من يقول: إنه حفيده الأول/"فهر بن مالك"! وهناك من يقول: إنه حفيده السابع/"قصي بن كلاب"! وهناك من ينتهج "الوسطية" الرمادية؛ فيسمي "النضر" قريشاً الأول، و"فهراً" قريشاً الأوسط، و"قصياً" قريشاً الأصغر! وكأنهم "واسطة العقد" أو "شاهد السبحة"، يتغير ويتجدد، والخيط باقٍ!

ولكن المؤكد أن "قريشاً" ليست إلا نموذجاً عربياً خالصاً، يصدق على جميع "الأنظمة" الاجتماعية المدنية، التي اعتدنا تسميتها "قبائل"! وضع مكان "قريش" أول اسم يخطر بذهنك من "القبائل" المعاصرة؛ لتجد أنها "تقرَّشت" للحاجة والمصلحة حول "خيط سبحة"، ثم تغيرت نسبتها حسب تغير "الواسطة/ الشاهد"، وكم من هذه "الأنظمة/ القبائل" من تغير خيط سبحتها برمته! فلئن كان "خيط سبحة قريش" عرقياً مكانياً، فهو في "العقيلات" نفعي تجاري خالص! مايبرهن على مرونة "القبلية/ النظام المدني"، واستجابته لمعطيات العصر، والسياقات التاريخية، والجغرافية، والسياسية المتحولة المتجددة مع الليل والنهار!

ومن أحدث البراهين: قبيلة "كلانا"، جمعية الأمير/ "فهد بن سلمان" الخيرية لرعاية الفشل الكلوي! ونسبتها إلى "فهد" نسبة سلوكية؛ لما عُرف به ـ رحمه الله ـ من حب للخير وفعله، وهو أحد "مُقرِّشيها"، لكن "قريشها الأول" هو: صاحب السمو الملكي الأمير/ "سلمان بن عبدالعزيز"، أجاب الله دعوات من طالهم خيرُه وإحسانُه، وردَّ لـ"ظَهْر الوطن" ـ بل الأمة العربية والإسلامية كلها ـ صحته وعافيته، أما "خيط سبحتها" فهو: تقديم الخدمة والرعاية لنحو (11 ألف) مريض يعانون الفشل الكلوي في المملكة وحدها، ويحتاج الواحد منهم لأكثر من (115 ألف) ريال سنوياً؟ وقارن فقط بين "تصويتك" برسالة لـ(5060)، وتصويت "المهايطين" باسم "القبيلة" لشاعر "المليون" ـ مثلاً ـ لتدرك أن "نِعم" واحدة لاتكفي، لكنها "تفرق"!!