يعود الاهتمام باليوم الوطني وتاريخه عند كل الشعوب إلى الرغبة في إحياء هذا التاريخ للشباب والأجيال القادمة وتوعيتهم به ودفعهم للمشاركة وبذل الجهد نحو اكتشاف تجارب الماضي وربطها بالحاضر والمستقبل، وتقف هذه الأمم في كل مناسباتها الوطنية الكبرى والخالدة، للتأمل، والتقويم والمراجعة من تلك اللحظات الاستثنائية التي أسهمت في انتصارها على أعدائها.
إن كل هذه اللحظات التأسيسية لدى كل الأمم والشعوب، هي لحظات يتم الاحتفال بها، والعمل على إبراز أولئك النفر الذين بذلوا وضحّوا وتركوا بصمات نوعية في مسيرة مجتمعاتهم وأوطانهم، فالاحتفاء بالأوطان ومناسباتها الكبرى، أضحت من الخصائص المشتركة بين البشر الأسوياء بصرف النظر عن أيدلوجياتهم وحيثياتهم الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، ونحن في المملكة العربية السعودية، لسنا استثناءً من الشعوب، خاصة بعد إقرار تخصيص يوم الذكرى إجازة رسمية للمواطن (بجميع الدوائر الحكومية ومرحلة التعليم)، لكي ينعكس هذا على المواطن ومدى غرس هذا المفهوم لديه. هذا اليوم يعد في نظر كثيرين بمثابة يوم لخدمة الوطن، لأنه يعكس حالة هذا الشعب ودرجة انتمائه وولائه لهذه الأرض ولهذا الوطن. فيعد بذلك واحدا من تلك الأيام الكثيرة التي تعبر عن خدمة الوطن والتعبير عن الانتماء والولاء له.
ونحن في هذا الوطن من شرقه إلى غربه، ومن جنوبه إلى شماله، تمر علينا هذه الأيام ذكرى تأسيسه. على المستوى الوطني نحتفل هذا العام بذكرى اليوم الوطني، في ظل تحديات ومخاطر غير مسبوقة تمر بها المنطقة بأسرها، وتلقي بظلالها المختلفة على فضاء جميع دول المنطقة. وهذا يعني أن الأوطان تحتاج باستمرار إلى حماية وصيانة وتوفير كل متطلبات الاستقرار العميق فيها. ونحن في ذكرى اليوم الوطني وانطلاقا من المادة 12 في الباب الثالث من النظام الأساسي للحكم والمعنونة بـ(مقومات المجتمع السعودي) التي تنص على أن "تعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام" وبناء عليه فإن على جميع الجهات والمؤسسات الرسمية والأهلية، إطلاق مبادرات نوعية ومستديمة تستهدف تعزيز الوحدة الوطنية، وإنهاء المشاكل التي تهدد هذه الوحدة، وتطوير الوقائع والحقائق التي تصون الوحدة من كل المخاطر والتحديات، لأن طبيعة المشاكل التي نواجهها اليوم، كلها تحديات تسهم في تشرذم المجتمعات والشعوب إما لدواع دينية أو مذهبية أو قومية، ولهذا فإن صيانة الوحدة الوطنية تعد من أولويات المرحلة، ولذلك تأتي أهمية ضرورة العمل على بناء مشروعات وطنية متكاملة، تستهدف تعميق الانتماء الوطني وفق أصوله السليمة والحضارية. ومن أهم المشروعات الوطنية:
1- تطوير مناهج التعليم، بحيث تعطى أولوية خاصة لمضمون الوحدة الوطنية، وإزالة كل نزعات الكراهية بين المواطنين، ويكون ذلك وفق استراتيجية وطنية شاملة تتضافر من خلاله جهود وزارات التعليم والمؤسسات الوطنية المعنية بتنمية الطفولة والشباب.
2- أهمية إيجاد مؤسسات مجتمع مدني خاصة تهتم بترجمة مبادئ وقيم الوحدة الوطنية على أرض الواقع؛ لأن دورها مهم في تجسيد ثقافة السلام ونبذ العنف في الوعي العام.
3- تعميم ثقافة حقوق الإنسان في كافة قطاعات الدولة ووضع استراتيجيات لنشرها هي ضرورة أساسية وماسة في تعزيز الوحدة الوطنية ومهمة ملحة ينبغي القيام بها عاجلاً وبدون تأجيل من أجل انتصار ثقافة السلام والتسامح.
يقول الروائي العالمي ليو تولستوي: "لا ينبغي علينا أن نحب الوطن حباًّ أعمى فلا نرى عيوبه ولا نسعى لإصلاحها أو مواجهتها في الواقع"... نعم هي مسؤوليتنا في بناء وطننا العزيز والغالي على قلوبنا.